مقالات وآراء

تحت مزاعم السيادة الوطنية.. النظام السوداني يفشل مفاوضات أديس أبابا..

عبدالغني بريش فيوف

بدأت في الفترة من 2 إلى 4 من شهر فبراير الحالي 2018م، جولة جديدة من المفاوضات السودانية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بين الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال ونظام المؤتمر الوطني حول المسارات الإنسانية ووقف العدائيات في المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق). غير أن هذه الجولة كغيرها من الجولات التفاوضية السابقة انهارت لإصرار الخرطوم على ما تسميها (بالسيادة الوطنية) بالرغم ان الحركة الشعبية قدمت تنازلات كبيرة فيما يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في المنطقتين عبر مسارات داخلية وأخرى خارجية.

كالعادة، وبعد فشل هذه الجولة من المفاوضات، حمل رئيس وفد الحكومة السودانية لمفاوضات المنطقتين الحركة الشعبية -شمال مسؤولية انهيار جولة المفاوضات التي علقتها الوساطة الأحد 4/2/2018م دون التوصل لاتفاق.

وقال مساعد الرئيس السوداني إبراهيم محمود في مؤتمر صحفي بمطار الخرطوم الإثنين “مفاوضات الحكومة مع الحركة الشعبية فشلت في التوصل لاتفاق حول وصول المساعدات عبر الحدود”.

وجدد التأكيد على أن قضية ايصال المساعدات الإنسانية محسومة لدى الحكومة وأنها ترفض تماما ادخالها للسودان إلا عبر الحدود والمنافذ الرسمية.

وأفاد أن الحركة الشعبية ارادت أن تأتي المساعدات للمنطقتين عبر حدود تشرف عليها بنفسها دون علم الدولة وبلا رقابة.

وأضاف محمود “كيف لنا أن نعلم إن بها سلاح أم ذخائر أم ممنوعات أخرى إن لم تكن هنالك رقابة وفرض لسيادة الدولة”.

إذن وكما هو واضح عزيزي القارئ من كلام المسؤول السوداني. فإن تمسك الخرطوم بالمفهوم القديم (للسيادة الوطنية) -أي المفهوم الذي يستند إلى مبدأ السيادة الوطنية التي تمنح كل دولة الحق المطلق على أراضيها، هو الذي افشل هذه الجولة في ان يصل الطرفين على الأقل إلى اتقاق لتوصيل المساعدات الإنسانية “الطعام والدواء”.

فيما يتعلق بموضوع “السيادة الوطنية”، فإن التحولات الكبرى التي عرفتها البشرية في العقود الأخيرة أوجبت تعريف مفهوم السيادة الوطنية الذي انتقل من الإطلاقية إلى النسبية -أي أن فكرة السيادة المطلقة لم تعد أمرا ممكنا نظريا وعمليا في الوقت الحالي، وبالتالي لم يعد مقبولا الاستمرار في الترويج لأوهام الماضي عن السيادة والاستقلال وفهم المسألة الوطنية كصورة من صور الانعزال التام عن المجتمع الدولي (الأمم المتحدة) ومنظماتها.

وبالمفهوم أعلاه ، طرح كوفي آنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة مشروعا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 54، الذي اعتبر فيه (أن السيادة لم تعد خاصة بالدولة القومية، بشكلها الحاليّ، الذي يعتبر أساس العلاقات الدولية المعاصرة، ولكن تتعلق بالأفراد أنفسهم، وهي تعني الحريات الأساسية لكل فرد، تلك الحريّات المنصوص عليها والمحفوظة في مواثيق الأمم المتحدة).

إن في هذا الطرح دعوة مكشوفة إلى حماية الوجود الإنساني للأفراد وحقوقهم على كافة المستويات، وليس حماية الحكومات، اي الجهات التي تنتهك هذه الحقوق، ويحمل الدول القائمة، كل واحدة منها، مسؤلية حماية هذه الحقوق أمام المجتمع الدولي.

وعليه، فإن البلدان التي انضمت إلى الأمم المتحدة ووقعت على المواثيق المشتركة والإتفاقات، قد تنازلت طوعاً وبكامل إرادتها عن جزء من سيادتها إلى المجتمع الدولي، وأخضعت نفسها لقيود والتزامات لا تستطيع الخروج عليها، وأهمها السماح للمنظمة الأممية بالتدخل لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان وحرياته وحماية أرواح المواطنين وغيرها ، ولا تستطيع رفض طلبها.

على كل حال، وأياً كان مفهوم السيادة الوطنية. فإن النظام السوداني أخر من يتمسك أو يتحدث عنه، لأن السودان في ظل النظام الحالي منتهك سيادته من أطراف عدة -كإسرائيل ومصر واثيوبيا والمجتمع الدولي متمثل في قوات حفظ السلام ومنظماته المختلفة العاملة في كل من دارفور والنيل الأزرق ومنطقة أبيي المتنازع عليها. فرفض النظام فتح مسارات خارجية لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في المنطقتين بحجة السيادة الوطنية إنما جُبن واستهتار بالإلتزامات العالمية لحقوق الإنسان، بل هروب من المسؤولية وعقاب جماعي لشعب المنطقتين.

المفاوضات المستمرة بين النظام والحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، منذ سبع سنوات ، عبثية ، ولا يمكن أَن تنتهي إِلى سلام حقيقي عادل وشامل في السودان ، وخاصة تحقيق تطلعات شعب المنطقتين في حريتها وآمنها. وان هذه المفاوضات لم تسفر عنها سوى تكريس سلطة حزب المؤتمر الوطني الحاكم ومليشياته الإسلاماوية التي تعبث بحياة الأبرياء العزل.

نعم، الكلام عن السيادة الوطنية ليس سوى حيلة خبيثة من نظام الإبادة الجماعية لتجويع شعب المنطقتين واهانته حتى يرضخ لهيمنته بكل شروطها. وعلى المجتمع الدولي إذا كان صادقا في محاولاته لإتقاذ المتضررين في المنطقتين، القيام بمسؤولياته وممارسة الضغط على السلطة في الخرطوم لتقبل بإيصال المساعدات الإنسانية عبر ممرات ونقاط داخلية وخارجية وعدم السماح له بشراء مزيد من الوقت.

مقالات ذات صلة