مقالات وآراء

بروفايل أمَل هباني

ابوهريرة عبدالرحمن أحمد
باحث ومدافع عن حقوق الإنسان

فائزة بجائزة قنيتا ساقان بنيويورك للعام 2015 المقدمة من منظمة العفو الدولية لدفاعها المستمر عن حقوق الإنسان
مؤسسة وعضوة مبادرة لا لقهر النساء وشبكة الصحفيين السودانيين.

في زنزانة لا تتعدى المترين مرت خمسة عشر ليلة باردة على الصحفية والناشطة الفائزة بجائزة قنيتا ساقان المقدمة من منظمة العفو الدولية أمل هباني مع عشرات المعتقلين خلال الاحتجاجات التي تشهدها عدة مدن بالسودان. ويأتي هذا الاعتقال في سلسلة طويلة من الاعتقالات والمحاكمات الكيدية التي تعرضت لها أمل في السنوات الماضية. ولكن أمل استمرت في طريقها التي اختارته لنفسها بكامل وعيها، تحمل قلمها وصوتها يهدر “لا خائفة لا خائفة.. إن صوتي مشنقة للطغاة جميعاً… ولا نادمة … إن روحي مثقلة بالغضب… كل طاغية صنم.. دمية من خشب”.
عند النظر في كتاب أمل تنفتح أمامنا صفحات متعددة من حياتها، أمل الزوجة والأم، وأمل الصحفية والكاتبة، وأمل الناشطة النسوية والمناضلة من أجل حقوق الانسان، وأمل الانسانة الجميلة الوديعة كأنها نسمة الصباح. فهي تمثل أيقونة نضال المرأة، ونموذج لجيل الشباب القادم بقوة ليرسم ملامح سودان بكرة. اتسمت كتاباتها بالجرأة المتناهية، تغرس بذور الشجاعة والاقدام مع كل خطوة. فهي لا تخشي الجبابرة مهما جمعوا لها قوتهم المتغطرسة. دوماً مستعدة لبذل التضحيات لما تؤمن به.
لم تستخدم مواهبها المتعددة لترفل في رغد العيش وراحة البال. وأنى لها وهي المناضلة بالفطرة والحدس والإحساس. لا يشغلها شاغل عن قضية التغيير والكرامة الإنسانية. أولت اهتماما خاصاً لقضايا المرأة. تكتب بأسلوب واقعي يلامس هموم الناس ما جلب لها الكثير من المتاعب فاضحت هدفاً ثابتا للأجهزة الأمنية. حظرت من كتابة عمودها “أشياء صغيرة” في الصحف اليومية. فملأت كتاباتها الأسافير. فهي متسقة فكراً قولاً وعملا! تجسد مواقفها مقولة شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه “الفرد الحر هو الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم أنه على استعداد دائم لتحمّل مسؤولية فكره وقوله وعمله أمام قانون دستوري.

حُلْم الكِتابة

ولدت أمل هباني في ديسمبر 1974. هي حفيدة الناظر خليفة إدريس هباني، وأمها المرأة المقدامة بثينة أحمد فضيل. نشأت في زخم بيت العائلة العريق ذو التأثير القوي في تكوينها الفكري والثقافي. بذرت فيها أمها بذرة الثورة منذ الصبا، فامتلأ قلبها برفض الظلم والظالمين.
عندما سئلت أمل عن بداية علاقتها بالكتابة قالت “طالما حلمت بالكتابة. فمنذ تخرجي من جامعة الخرطوم وإكمالي رسالة الماجستير في الاعلام تعلق قلبي بالقلم وبالكتابة، فكان الميلاد لأول مقال صحفي قمت بنشره بعنوان “الشغالة وأنا” في العام 2000. ولكنه لم يعجب حراس البوابات بالصحيفة فتم فصلي عن العمل وقتها والتهمة كانت أنني انتصرت فيه للنساء المسحوقات. لتجعل بعد ذلك من الدفاع عن الطبقات الضعيفة قضية عمر!!
لدى أمل تاريخ من الصراع مع السلطات إذ تمت مضايقتها بسبب مقالاتها، ورغم أنها تعرضت للتهديد والتحقيق والاعتقال والسجن والتقاضي الكيدي ودفع العديد من الغرامات المالية، إلا أنها ظلت شامخة لم تنكسر يوماً من الأيام أمام ظالم أو مستبد أو طاغية متمسكة بعملها كصحافية ملتزمة بالدفاع عن الحقوق والحريات العامة.

مُبادَرة لا لقَهَر النَسّاء

لم تكتفي أمل بأن تكون صحفية وكاتبة عادية تعود لبيتها وأسرتها بعد أن تضع نقطة على السطر. أنى لها ذلك وهي ترى المعاناة التي تعيش فيها المرأة السودانية نتيجة لقوانين النظام العام الذي يذل المرأة ويمرغ كرامتها في التراب. فكونت مع عدد من الناشطات مبادرة “لا لقهر النساء” منتصف يوليو 2009 إبان قضية الصحفية لبنى أحمد حسين، التي تم القبض عليها بتهمة ارتداء بنطال، ليعقب ذلك حملة واسعة لمناهضة القوانين التي تنتهك حقوق المرأة في السودان. أسهمت المبادرة في تسليط الضوء علي قانون النظام العام ومساعدة الضحايا قانونياً وعلاجياً مما أدى إلي رفع الوعي بمضار القانون وسوئه. كل هذا ساهم في استقطاب حملة التضامن المحلي والعالمي لمناهضة القانون. توج هذا التضامن بمنح مبادرة “لا لقهر النساء” جائزة أبطال حقوق الإنسان في السودان للعام 2014 من بعثة الاتحاد الأوربي.

بين الاعَتِقالات والمُحاكَمات

حياة أمل العامة توزعت بين الاعتقالات المتواصلة والمحاكمات الكيدية وفي هذا السياق تقول أمل ” في يوليو 2009 فتح في مواجهتي بلاغ بسبب مقال صحفي كتبته عن قضية الزميلة لبنى أحمد حسين أدعو فيه للتضامن معها، وكان عنوانه (قضية لبنى قضية قهر جسد المرأة) فقامت شرطة “أمن المجتمع” بفتح بلاغ ضدي بتهمة إشانة سمعة رجال الشرطة حيث طالب الادعاء بدفعي غرامة مالية قدرها 10 مليار جينه سوداني. استمرت القضية زهاء العامين أصدر فيها أمر قبض ضدي ثم أطلق سراحي بالضمان. بعدها دعيت لجلستين، ولعدم حضور الشاكي أًسقطت الدعوة المرفوعة في الجلسة الأخيرة للمحكمة”. تقول أمل هذه الشكاية كانت تهدف للحد من حريتي وتعطيلي من القيام بعملي عبر التفرغ لمتابعة الإجراءات القضائية.
بلاغ أخر فتح في مواجهة أمل في الفيديو المعروف بقضية فتاة الفيديو الذي يظهر رجال شرطة ينفذون عقوبة الجلد بالسوط على إحدى الفتيات أمام جمهرة من الناس، لتتحرك بعدها مبادرة لا لقهر النساء ودعت لوقفة احتجاجية أمام وزارة العدل وتقول أمل “اعترضتنا قوة من جهاز الأمن فاعتقلتني ومعي 45 ناشطة وناشط حولنا الى قسم الشرطة وأطلق سراحنا في مساء نفس اليوم بالضمانة”. وكان هذا في العام 2009.

التَضَيَّق الوَظيفيّ

في العام 2010 تقدمت أمل بطلب الحصول على رخصة تخولها رئاسة تحرير إحدى الصحف لكنها وجدت معاكسة من قبل السلطات. فبسبب مواقفها قوبل طلبها بالرفض. تقول أمل “رفض طلبي نتيجة لتدخل جهاز الأمن ضد المسار الذي سلكته المتعلق بالدفاع عن الحقوق والحريات. ولكثافة البلاغات الأمنية ضدي خشي الناشر الانتقام الأمني بإغلاق الصحيفة وإيقافها عن الصدور. ففصلني تعسفياً رغم أني كنت أعمل نائبة رئيس تحرير ومرشحة لتولي رئاسة التحرير. وأضافت “أنا الآن أعاني الإيقاف الأمني مع عدد من الزملاء والزميلات. والمفارقة ليس هناك قراراً مكتوباً لكننا محظورين بأوامر شفاهية من الأمن.! وهناك ضغوط تواجه المسئولين في أي موقع أتقدم فيه للعمل. سواء في الجامعات أو الصحف أو غيرها. وأشعر أني مستهدفة بالتضييق الوظيفي والاقتصادي لحد كبير.

مقال آخر لأمل في قضية اغتصاب الناشطة صفية إسحاق بعنوان (صفية الفنجرية) طالبت فيه برفع الحصانة عن المتهمين بالاغتصاب. ولكن هذا المقال ذهب بها لقاعة المحكمة بعد أن اتهمها جهاز الأمن والمخابرات بإشانة سمعته. ونتيجة لضغوط الأجهزة الأمنية أصدرت المحكمة حكماً بتاريخ 25 يوليو 2011، قضى بدفعها غرامة قدرها (ألفان جنيه) وفي حالة عدم الدفع السجن لمدة شهر. ونتيجة لظروفها الخاصة فضلت دفع الغرامة. وتقول أمل بعد ذلك قدمت استئناف لدى المحكمة العليا التي حكمت لصالحي، لكن الأجهزة الأمنية استأنفت حكم المحكمة العليا لدى المحكمة الدستورية التي لم تصدر الحكم حتى الآن.

ضَرَبَ وإعْتِقال

تقول أمل في فبراير من 2011 تعرضت للاعتقال التعسفي بعد مشاركة في مسيرة سلمية دعت لها قوي الإجماع الوطني تطالب فيها المفوضية القومية للانتخابات بضمان نزاهة كافة المراحل الانتخابية. تعرضت حينها للضرب من قبل جهاز الأمن قبل إطلاق سراحي.
وفي مارس 2011 اعتقلت مع زوجي من مقر العلاقات البينية بالخرطوم حينما كنا نجري إجراءات تأشيرة الخروج. وبعد توقف نظام العمل وتزاحم الناس بحجة ذهاب الضابط المسئول الى الصلاة، قمنا بالاحتجاج على التأخير غير المبرر وقمت بعدها بتصوير تزاحم الناس وتدافعهم. اعتقلت وفتح ضدي بلاغ كيدي بتهمة الإزعاج العام والاحتجاج، تمت تبرئتي من الاتهامات الموجهة لي وشطبت المحكمة الدعوي الجنائية الموجهة ضدي.

وفي يوليو 2011 شاركت في وقفة سلمية أمام مباني بعثة الأمم المتحدة يونميس طالبنا بوقف الحرب الأهلية. تقول أمل “اعتقلنا وتم تحويلنا الي جهاز الأمن ولاحقاً تم تقديمي لمحاكمة وتمت تبرئتي.
وفي ديسمبر من العام 2011 تمت ملاحقتي قضائياً عبر فتح بلاغ ضدي بسبب نشر مقال تناولت فيه أوضاع الطلاب المتردية بجامعة بحري واتهام الطلاب لأساتذتهم بأنهم عناصر أمنية. بالرغم من مضى عامين علي هذه القضية تم فتحها من جديد وصلني استدعاء متأخراً من المحكمة لمتابعة سير القضية”.
وفي العام 2012 تم اعتقالي مع خمسة نساء بعد مشاركتي في وقفة تضامنية نظمتها مبادرة لا لقهر النساء وحركة قرفنا طالبنا فيها السلطات بإطلاق سراح المعتقلين تعسفياً، اعتقلت لمدة أربعة إيام ثم أطلق سراحي.
وتتواصل المضايقات ضد أمل وفي شهر سبتمبر من العام 2013 إبان هبة سبتمبر، اعتقلت أثناء مشاركتها في موكب تشييع جثمان الشهيد د. صلاح السنهوري، قضت تسعة أيام بين زنازين الأمن وسجن النساء بأم درمان. ثم ابلغت في اليوم العاشر من قبل سجانيها بصدور قرار من الرئيس أمر فيه بإطلاق سراحها وزميلاتها.
وفي 19 يونيو 2017 حققت معها نيابة جرائم المعلوماتية حول فحوى منشور نشر على صفحتها في الفيس بوك، يورد أسباب إيقاف تعيين وزير العدل والتي تواترت أنباء مفادها شبهة تزوير تشوب شهاداته الأكاديمية ففتح في مواجهتها بلاغ جنائي.
وبتاريخ 10 يوليو 2017 حكمت عليها محكمة في الخرطوم بغرامة مالية قدرها عشرة ألاف جنيه أو السجن في حال عدم الدفع. وتعود تفاصيل القضية المرفوعة ضدها في أنها أثناء تغطية محاكمة نشطاء تراكس حاول أحد رجال الأمن منعها من حضور المحكمة وتحت إصرارها قام بصفعها ثم سبقها
وادعى بأن أمل أعاقته من أداء عمله. فيما أكد شهود أخرين أن الرجل هو من صفع أمل هباني في خدها.

يقول عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين الصحفي خالد أحمد أن أمل تمثل حالة الاتساق التام بين المبادئ والأفعال وهي من الأصوات الصحفية الحرة القليلة في الوسط الصحفي بجانب ذلك هي مدافعة شرسة عن حقوق المرأة ومناهضة قانون النظام العام وأضاف بأن ما تتعرض له أمل الان من اعتقال يأتي في سلسلة الهجمات التي تقوم بها السلطات الأمنية لتكميم الأفواه وإسكات الصحفيين عن قول الحقيقة وأضاف أمل تدفع ثمن الكلمة الحرة “.

الجانب الآخر لأمل

يقول محدثي تعارف شوقي عبد العظيم وأمل هباني أثناء دراستهما معاً بجامعة الخرطوم، حيث توطدت علاقتهما وتزوجا فشكلا أبرز الثنائيات في الوسط الصحفي. أثمرت علاقتهما ابنين هما عبد العظيم 15 عام وحافظ 11عام. وأضاف محدثي قائلا: “أمل نعم الأم الرؤوم، والزوجة الناجحة، تربطها علاقة خاصة بأسرتها وابنيها. فهي حريصة على تربيتهم تربية ديمقراطية. فهي صديقة أبنائها تصغى إليهم وتأخذ بآرائهم”.

حاصلة على عدة جوائز تقديرية عالمية ومحلية جائزة قنيتا ساقان

تسلمت جائزة قنيتا ساقان المقدمة من منظمة العفو الدولية في احتفال أقيم بنيويورك خصيصا لتسليم الجائزة، وتمنح الجائزة سنويا لأحدى النساء المدافعات عن حقوق المرأة في العالم. استحقت الجائزة عن دورها وتضحيتها وتعرضها لمخاطر شخصية في دفاعها عن قضايا النساء.

جائزة أبطال حقوق الإنسان
حائزة مع مبادرة لا لقهر النساء علي جائزة أبطال حقوق الانسان للعام 2014 الجائزة مقدمة من بعثة الاتحاد الأوربي لنضالهن المستمر من أجل ترقية أوضاع النساء .

كُرمت من مركز الخاتم عدلان
كرمت من ِقبل مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية في العام 2012 تقديراً لدورها في الدفاع عن الحقوق والحريات العامة في البلاد.

تقول أمل هباني” أنا على قناعة تامة أن ما أكتبه وأنادي به هو طريقنا الى التغيير وإقامة دولة ومجتمع ينعم بالمواطنة العادلة ويتمتع كل فرد فيه خاصة النساء بكامل الحريات والحقوق. وأن ما يحدث لي من اعتقال او انتهاك لحقوقي هو ضريبة أدفعها ويدفعها كثيرون ثمناً لرؤاهم وأفكارهم. وسيأتي الوقت الذي تنتصر فيه هذه الأفكار اليوم أو غداً أو بعد عشرة أعوام وسينتهي فيه هذا النظام المستبد الفاسد المجرم الذي أتخذ من الدين قناعاً يخدع ويغوي به البسطاء والجهلاء. حينها ستكون تلك بداية صياغة سودان جديد تسوده القيم الديمقراطية، وتحرسه صحافة المواطن بدلاً من الإعلام الذي يعمل كمجرد بوق للسلطة”.

أمل في السجن للمرة ال ؟

وفي 16 يناير 2018 تعرضت الأستاذة أمل هباني للاعتقال التعسفي بالقرب من شارع الجمهورية على مقربة من تقاطع شارع القصر بعد مشاركتها في موكب سلمي احتجاجا على الضائقة المعيشية وارتفاع أسعار السلع بسبب القرارات الحكومية. أكد نشطاء مفرج عنهم تعرضها للتعذيب.

ابوهريرة عبدالرحمن أحمد
باحث ومدافع عن حقوق الإنسان
1/فبراير 2018

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. احييك اختي امل و اخت كل سوداني امين على هذا البلد المنكوب ، انت مصدر فخر و اعتزاز و شرف لنا جميعاً . تسلمي دايماً مناضلة و مصادمة لهذه المافيا الكيزانية الظلامية . انت شمعة مضيءة في سماءينا الغيهب . لك الف تحية و اجلال