مدثر الياس
ما حثَّني على كتابة هذا المقال هو مقال بعنوان دارفور – مآلات خطاب الكراهية للكاتب إسماعيل عبدالله، المقال إحتوى على الكثير من المعلومات المغلوطة عن المستوطنين الجدد وعن الحاكورة وعن الإعتصامات التي أقامها بعض الضحايا ومطالبهم المشروعة والتي هي حقوق قبل أن تكون مطالب.
قبل الولوج في التعليق على بعض ما جاء في فحوى مقاله، لا مناص من تعريف بعض المسميات التي حُوِّرت معانيها في الأيام القليلة من قِبل البعض لتصبيغها بالعنصرية وعدم قبول الآخر.
أولاً المستوطنين الجدد : قد ظهر هذا المُسمى مع بداية الحرب في إقليم دارفور وبل يعد طردهم من ضمن شروط إحلال السلام والأمن في الإقليم عن الكثيرين، إذاً من هم المستوطنين الجدد؟ يقصد بالمستوطنين الجدد كل من إستحوذ على أرض الغير بقوة السلاح بعد أن طرد أصحابها مالكي الأرض أو أبادهم ، ويمكن أن يكون هذا المستوطن الجديد سُودانياً أو وافداً من دولة أخرى.
الحاكورة : يُقصد بها ملكية أرض معينة لمُكوِّن إجتماعي بعينه، تستخدمها في الزراعة، الرعي والسكن وفقاً للأعراف المجتمعية، المفردة تعود إلى عهد سلاطين الفور إذ هم من قسموا الإقليم إلى حواكير لتسهيل الإدارة ودرء الصراعات التي يمكن أن تحدث بسبب الأرض، لأصحاب الحاكورة الحق الكامل في إستخدامها وإعطائها لمن حلَّ عليهم ضيفاً وفق شروطهم ووفق الأعراف المتعارف عليها، حتى في حالة رغبة المضيوف في خلق نظام إداري أهلي خاص به يجب أن يكون ذالك تحت إمرة صاحب الحاكورة.
لقد أسهبت كثيراً في الحديث عن خطاب العنصرية ولقد ضربت مثلاً برواندا في إجتثاث العنصرية والقبيلة بعد أن عاشت ردحاً من الزمان تحت لظى الحروب الأهلية ولكن هل تساءلت كيف تجاوزت رواندا ذالك؟ رواندا لم تتجاوز ذلك بإرتكاب المزيد من الحماقات في حق الضحايا، ولم تقُم بتوسيع الهوة بين مواطنيها بتسليح بعضها ضد الأخرى وبرعاية من الدولة، رواندا عندما أرادت إطفاء نار الحرب لم تقم بتقنين أدوات الإبادة في الماضي بأدوات جديدة في الحاضر، يا عزيزي رواندا لم تُغيِّر مسميات المليشيات القبلية شكلياً على شاكلة، المراحيل، حرس الحدود، الجنجويد، الدعم السريع…. الخ لتظل تؤدي ذات الدور في الإبادة، القتل، الإغتصاب، التنكيل، النهب والإستحواذ على حق الغير بقوة سلاح الدولة، يا عزيزي رواندا نهضت عندما شخَّص أبناؤها المخلصين معضلاتها ووضعوا لها الوصفات الناجعة لعلاجها، لقد قامت الدولة في رواندا بفرض هيبتها بالوقوف على مسافة واحدة من الهوتو والتوتسي ولم تقم بتسليح إحداهما على الأخرى، يا عزيزي لقد إستعادت الدولة الرواندية الأراضي المغتصبة إلى مالكيها وقدمت كل من إرتكب جُرماً للعدالة إنصافاً للضحايا وأسرهم، بربك هل يمكنك أن تضرب مثلاً برواندا والجلاد ما زال يُقنِّن أدواته لإرتكاب المزيد من الإنتهاكات؟ لممارسة المزيد من التطهير العرقي وإتباع سياسة الأرض المحروقة؟ بربك كيف يمكن أن نحتذي حذو رواندا والذي مارس الإبادة وجرائم الحرب يتربَّع على عرش السلطة ويوماً يلوه الآخر يقوم بإستكشاف أدوات جديدة لتحقيق أهدافه بدلاً من أن يُقدَّم إلى محاكمات عادلة على الجرائم التي إقترفها في حق الضحايا؟
كيف يمكننا الإقتداء برواندا والذي إرتكب جرائم الأمس اليوم يستقوي بسلاح الدولة في ممارسة المزيد من الإنتهاكات والجرائم؟
لقد تحدثت أيضاً عن مطالبة أهالي نيرتتي بمنع إرتداء الكدمول ( الشال بالعامية السودانية)، في البداية الكدمول مفردة أمازيقية الأصل وترادف مفردة الشَّال في السودان، تُستخدم لأغراض السفر للحماية من الأغبرة ولسعات البرد والعواثف كما يستخدمها الإنسان الذي يعيش في البيئات الصحراوية لظروف بيئية مثلما يلبس إنسان القطبين الوبر والثياب الصوفية للحماية من لسعات البرد لذا الشال ليس حِكراً لمكون بعينه بل يلبسه أي إنسان وفق الظروف المحيطة به التي تستدعى لبسه، هذه نقطة، النقطة الثانية التي يجب عليك فهمها هي أنه في دارفور ومنذ بداية الحرب إرتبط لبس الشال الذي يُخفي ملامح الوجه بالإجرام والنهب والقتل وإنسان نيرتتي عبَّر فقط عن إمتعاطه من الشال لدواعي أمنية إذ كل الذين مارسوا الإنتهاكات ضده من قتل، إغتصاب، سرقة مواشي كانوا يرتدون هذا الشال يخفون به ملامح وجوههم لذا قولك بأن مطالبتهم بمنع لبس الشال محاكمة لثقافات وموروثات الغير قول مردود أردت به إشعال نار الفتنة كما غيرك من الناشطين الذين تاهت بهم الدروب.
مشكلة دارفور رغم تشعباتها وتعقيداتها ولكنها تكمن في أن الدولة في أحد العهود إستعانت ببعض المكونات العربية وقامت بتمليشها وزجت بها في أتون حرب ضروس ضد المكونات الزنجية تارة وتارة أخرى ضد ألمكونات العربية الأخري بقصد الهيمنة والإستحواذ على الموارد كما لأغراض سياسية، قد عزا البعض الجرائم التي إرتكبتها بعض هذه المكونات العربية إلى الجهل والأمية اللتان كانت تقبع في براثنها حتى وقت قريب لذا حاول البعض إيجاد العذر لها ولكن الذي عقَّد المشهد أكثر هو أنه وبعد إلتحاق البعض منهم بالمدارس والجامعات أصبح هم من يبثون سموم العنصرية وسط أهلهم ضد المكونات الأخرى اللاتي إرتكبت ضدها الإنتهاكات والجرائم مما يُفنِّد ذلك القول القائل بأنه تم إستغلالهم من الحكومة المركزية للكسب السياسي وإن صحَّ ذلك فكان لحينه ولكن الإنتهاكات التي ترتكبها هذه المليشيات القبيلة تؤكد بأن لها نوايا خبيثة طويلة المدى لم تفصح عنها أو أفصحت عن بعضها ربما تفضي إلى إبادة كل ما هو زنجي أولاً ومن ثم يأتي دور بقية المكونات العربية الأخرى في الإبادة بغية الإنفراد وبناء إمبراطوريتهم القبيلة على أنقاض هؤلاء ولكن في نظري ذاك مستحيل حدوثه رغم إستقواء هذه المكونات بالسلطة في البلد.
لقد عاشت بدارفور المكونات الزنجية منها والعربية ردحاً من الزمان في سلام ووئام، إقتسموا فيه النار، الماء والكلأ ولكن نوائب الدهر من كوارث طبيعية وإفتعال البعض للأزمات هي من خلقت هذا الوضع المأزوم في دارفور وهذا لا ينكره إلا مكابر وإذا كنا نرغب كأبناء ذلك الإقليم للعيش في سلام كما أسلافنا في الماضي يجب أولاً الإعتراف بالجرائم التي إرتكبت في حق البعض وتقديمهم لمحاكمات عادلة وطرد من إستوطن أرض الغير بقوة السلاح وجمع السلاح من المليشيات القبلية التي تستقوى بالسلطة والتي تُغيِّر أسمائها من حين لآخر لخلق راهن جديد، دون هذه النقاط سالفة الذكر ستظل رحى الحرب تدور وستخرج المكونات التي تُرتكب اليوم ضدها الفظائع عن طورها وعندها ستبدأ الطامة.
كل دور إذا ما تمَّ ينقلب
للمداد بقية