مقالات وآراء

الفساد في أفريقيا وموسم الهجرة للشمال

الدكتور حمدي عبدالرحمن

لا علاقة لهذا العنوان بقصة أديبنا الكبير الطيب صالح على الاطلاق وإنما هي للدلالة على استمرار النزعة الكولونيالية الغربية في نهب الثروات الأفريقية من خلال وكلائهم في الداخل الأفريقي.إذ لا يخفى أن معظم البلدان الأفريقية تحتل مراتب متدنية على مؤشر مدركات الفساد للشفافية الدولية، وعدد قليل من البلدان، مثل موريشيوس ورواندا، هي التي تحرز تقدما ملحوظا. غير أن هناك سمة مثيرة للفساد في أفريقيا هي أنه على خلاف العديد من دول العالم الأخرى، يقوم القادة الأفارقة الفاسدون بتهريب أموالهم إلى الخارج من خلال وضعها في المصارف الأجنبية أوشراءالعقارات الفاخرة في عواصم العالم الغنية.الغجيب أنه على الرغم من أن البلدان النامية في أماكن أخرى من العالم قد شهدت نفس مستويات الفساد كما في أفريقيا، إلا أنه قد تم تحريك العائدات الخاصة بأموال الفساد والعودة بها إلى الداخل بدلا من تهريبها للخارج.

في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، تم سجن وريث شركة سامسونج في قضية فساد ، كما أن الرئيس السابق بارك جيون هاي قد وجهت له اتهامات مماثلة. وعلى الرغم من ذلك، تشهد البلاد نموا اقتصاديا هائلا. لقد اعيد استثمار عائدات الفساد في كوريا الجنوبية مثلما حدث فى اماكن اخرى، بشكل عام فى الاقتصاد الوطني، مما أدى إلى زيادة النمو.

إن قائمة الفضائح التي تورط فيها الزعماء الأفارقة الفاسدون بتهريب ثرواتهم الطائلة إلى أوروبا، والولايات المتحدة، تتزايد بشكل مستمر. ويمكن أن نشير إلى عدد من العائلات الحاكمة مثل بونغو في الغابون وأوبيانغ في غينيا الاستوائية وساسو نغيسو في جمهورية الكونغو وكيفية إنفاقهم الأموال المنهوبة في شراء العقارات والسيارات الفاخرة واليخوت في أوروبا. وهو ما يعني ميل القادة الفاسدين إلى “استثمار” عائداتهم من الفساد في أماكن أخرى خارج أفريقيا.

ويبدو أن الاتحاد الأفريقي سوف يركز على تدفقات الأموال غير الشرعية. وقد أضحى تتبع المكاسب غير المشروعة سهلا ميسورا من خلال العولمة والإنترنت والاتصالات الإلكترونية “التي تترك أثرا لكل شيء”. وسيصبح هذا أكثر يسرا في المستقبل المنظورإذا تم تفعيل الإجراءات المالية الدولية، التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال.

و يخطط الاتحاد الافريقي لأن تكون قمة رؤساء الدول الثلاثين في يناير 2018 في أديس أبابا خاصة بالفساد. ويشير تقرير لجنة ثابو مبيكي لعام 2015 إلى أن نحو 50 مليار دولار تهدر سنويا من خلال التدفقات غير المشروعة التي تخرج من القارة كل عام.ويمتلك الاتحاد الافريقى، الذى يتحمل مسؤولية وضع القواعد القارية، أدوات مهمة لمحاربة الفساد. فقد صدقت حتى الان 37 دولة من أصل 55 دولة فى افريقيا على اتفاقية الاتحاد الافريقى لمنع ومكافحة الفساد التى تم تبنيها فى مابوتو فى عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ فى عام 2006.بيد أن الأمريعود في نهاية المطاف إلى هيئات وطنية مستقلة ذات مصداقية لمكافحة الفساد للتأكد من التقيد بهذه المعايير وإلا يصبح حاميها حراميها.

وتطرح قصص كل من جنوب افريقيا وزمبابوي وأنغولا وأوغندا وغينيا الاستوائية وليبريا أمثلة فاضحة على سوء استخدام السلطة من أقارب الزعماء في أعلى قمة الهرم السياسي. إن شبكة النفوذ المعقدة التي يمارسها نجل الرئيس جاكوب زوما دودوزان زوما قد فضحتها علنا تسريبات عائلة غوبتا بالبريد الإلكتروني. وتظهر هذه التسريبات ان لدوزان دور كبير فى الشؤون الحكومية بما فى ذلك تعيين وزراء في الحكومة وضمان ارساء العقود الحكومية على شركائه من رجال الاعمال.وتطمح زوجة زوما السابقة نكوسازانا دلامينى – زوما الترشح لزعامة حزب المؤتمر الوطنى الافريقى فى ديسمبر لتحل محل زوما. وإذا ما فازت، فمن المتوقع أن تستمر في إضعاف نظام العدالة لإسقاط أكثر من 700 تهمة فساد واحتيال ضد الرئيس زوما

في زيمبابوي، تجرى محاولة “انقلاب في غرفة نوم موجابي” حيث تسعى غريس موغابي إلى استغلال تدهور صحة زوجها لكي تخلفه في مقعد الرئاسة. لا حظ تصرفاتها الأخيرة في جنوب أفريقيا وفرارها من البلاد قبل القبض عليها بتهمة ضرب إحدى عارضات الأزياء.ولايقتصر الأمر على الزوجة فقد بدات الإبنة بونا موجابى، تلعب دورا مركزيا فى شئون الدولة.ففي مايو حصلت على مقعد في مجلسي إدارة مجلس الرقابة وبنك التمكين الحكومي، كما تم تعيين زوجها سيمباراش شيكورى رئيسا للعمليات فى شركة طيران زيمبابوى.

وفى انجولا تم تعين ايزابيل دوس سانتوس اغنى امرأة فى افريقيا وابنة الرئيس خوسيه ادواردو دوس سانتوس رئيسا لشركة النفط الوطنية سونانجول قبل عام. وقد ترأس شقيقها الأصغر، خوسيه فيلومينو دي سوزا دوس سانتوس، صندوق الثروة السيادية في البلاد والذي يقدر بنحو 5 مليارات دولار، منذ أن عينه والده في عام 2012.

وفي أوغندا، تتولى جانيت موسيفينى زوجة يويري موسيفينى وزارة التعليم وهى تستأثرعادة بأكبر جزء من الميزانية السنوية للبلاد.وفى يناير الماضى عين موسيفينى ابنه موهوزى كينيروجابا كمستشار خاص له، مما يثير تكهنات بإمكانية خلافته لأبيه .

وللحديث بقية

مقالات ذات صلة