مقالات وآراء

العقل الباطن؛ رداً على افتراءات الصحفي عبدالله آدم خاطر حول علاقة النفار بنقل عاصمة دارمساليت من درجيل إلى الجنينة

إبراهيم إسماعيل إبراهيم شرف الدين

قصدنا في هذا المقال أن نوضح حقائق تاريخية ظلت غائبة إن لم تكن مغيبة عن السودانيين وكان من المفترض أن يتم تضمينها في المنهج الدراسي منذ عصر سحيق، ليتعلمها الأجيال السودانية وهي بالطبع ستظل مصدر فخر واعتزاز ليس فقط لشعب المساليت وانما لجميع السودانيين بمختلف انتماءاتهم واعراقهم ولسنا هنا بصدد اثارة النعرة القومية أو القبلية أو أي شكل من أشكال الفتنة بقدر ما نسعى لتوضيح الحقائق التي ظلت حبيسة متاحف المستعمرين وليدركوا أننا كسودانيين باستطاعتنا الوقوف جنبا إلى جنب قبائل وشعوب، أمام اطماعهم وطموحاتهم الجشعة كالصخرة الصماء للدفاع عن أرضنا وعرضنا مهما كان الثمن غاليا وليكون لهم عظة وعبرة بألا يكرروا محاولاتهم العدوانية الفاشلة للتغول على حقوق الآخرين في اي مكان في العالم.

تقع قرية درجيل مسقط رأس السلطان بحرالدين اسماعيل شرقي مدينة الجنينة وكان والده الشيخ اسماعيل عبدالنبي الذي نقل العاصمة من مستري شمالي غرب الجنينة إلى درجيل، استولى على عرش سلطنة دارمساليت من بن أخته السلطان هجام الذي اشتهر في عهده بالبطش والعنف والجبروت، الأمر الذي أدى إلى تقهقر سلطته وتدني شعبيته في وقت كانت السلطنة في حاجه للاستعداد لمواجهة الغزو الفرنسي من الغرب وكبح محاولات السلطان علي دينار سلطان الفور لإحتلال دارمساليت من الشرق. وكان لذلك تأثير كبير في تأييد الانقلاب الذي قام به الشيخ إسماعيل الذي خلفه بعد وفاته إبنه السلطان تاج الدين وللشيخ إسماعيل المعروف بمبايعته ودعمه للثورة المهدية، ضريح في امدرمان إحدى مدن العاصمة السودانية المثلثة. وعندما اقتربت الجيوش الفرنسية الغازية والتي احتلت سلطنة ودّاي أو البرقو في مدينة أبّشي شرقي تشاد وهددت فرنسا باجتياح دارمساليت والاستيلاء عليها تفرغ السلطان تاج الدين للتعامل مع الفرنسيين بالجبهة الغربية فيما أرسل شقيقه أبّو أبكر اسماعيل للتصدي لمحاولات جيوش سلطنة الفور لغزو الجنينة فأسر السلطان أبكر وشقيقته امّو زينب اسماعيل وحكم عليه السلطان علي دينار بالاعدام فقتل بمدينة الفاشر، بينما شقيقته زينب تم تزويجها للقاضي الدنقلاوي إدريس عبدالله.

وتمكن السلطان تاج الدين وجيشه بالاسلحه البيضاء، من إنزال أقسى هزيمة على جيوش الامبراطورية الفرنسية الغازية في معارك حامية الوطيس في درجيل ودروتي وكرندنق قبل مائة عام ونيف، سحق فيها الفرنسيين وتكبدوا خسائر فادحة في الأرواح والعتاد فاضطروا في نهاية المطاف إلى إبرام معاهدة – قيلاني – وتعني بلغة المساليت خذها واحتفظ بها التي بموجبها تم ضم جزء من دارمساليت إلى تشاد، وهي المنطقة الواقعة غربي الجنينة وتحديدا مدينة أدريه التشادية، إلى المستعمرة الفرنسية مقابل أن تتخلى فرنسا عن طموحاتها التوسعية، إحتلال دارمساليت. وبذلك انقسمت قبيلة المساليت إلى نصفين، نصفهم في جمهورية تشاد الحالية والآخر في السودان. ومن ضمن بنود معاهدة قيلاني التي أقرت لشعب المساليت حق تقرير المصير، السماح للبريطانيين بتشييد حامية اردمتا التي أصبحت الآن مقرا للجيش السوداني ورئاسة اللواء الثاني والعشرين مشاه، ولولا استبسال أبطال سلطنة دارمساليت لتمكن الفرنسيون من التوغل شرقا وضم مزيد من الأراضي السودانية لمستعمرتها في تشاد. واطلقت فرنسا إسم السلطان تاج الدين على أكبر ساحة في مدينة أبّشي التشادية معقل سلطنة ودّاي تخليدا لذكراه ولما قدمه من تضحيات في مواجهة طغيانهم الغاشم والدفاع عن أرضه وعرضه.

ادّعى الكاتب الصحفي عبدالله آدم خاطر عبر شاشة الفضائيه السودانية التي استضافته إبان زيارة السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن البشير الشهر الماضي، لولاية غرب دارفور في إطار احتفالات البلاد بالجنينة داراندوكا عاصمة الثقافة السودانية، للتعليق عن الحدث ادّعى بأن السنوسي النّفار المنحدر من أصول ليبية ووصل إلى الجنينة في أواسط القرن المنصرم هو من نصح السلطان بحرالدين أبكر لنقل عاصمة دارمساليت من درجيل عرين الأبطال إلى الجنينة وهذا القول لا يمت للحقيقة بصلة وانما، تلفيق وافتراء مردود لصاحبه الذي أراد تحريف حقائق تاريخية لشئ في نفسه.

وكان على عبدالله آدم خاطر كصحفي أن يتحرى الدقة باستقاء المعلومة من مصادر موثوقة وانصحه هنا بالاتصال بمتحف اللوفر أو الحكومة البريطانية أو الحكومة الفرنسية، ولو تعذر ذلك، الرجوع لأهل البلد واستفسارهم، قبل أن يطلق القول على عواهنه ويفتي في ما ليس له به علم لأن مثل هذه الأكاذيب والتلفيقات التي لا أساس لها من الصحة ولا تستند لأي حقائق مجردة يمكن أن تشعل الفتنة وتتمخض عنها عواقب وخيمة لا تحمد عقباه، لاسيما وأن المنطقة تشهد صراعات قبلية دامية منذ منتصف التسعينيات. ولا اود هنا أن ألقي باللائمة على الصحفي خاطر الذي كان عليه أن يكتفي بالتعليق عن الحدث الرئيسي فقط وهو زيارة السيد رئيس الجمهورية قبل أن يهرف بما لا يعرف بقدر ما نناشد القائمين على أمر الإعلام في بلادي باقسامه المختلفة، المرئي والمسموع والمكتوب في المستقبل أن يسألوا أهل البلد في مثل هذه المناسبات لأن أهل مكة أدرى بشعابها وليس كل من هب ودب من أهل الصحافة والإعلام. وللجنينة أبناء متخصصون في شتى ضروب العلم والمعرفة والثقافة وهناك إعلاميون وأساتذة جامعيون وسياسيون وأدباء وشعراء وكتاب وصحفيون وحتى أعضاء في الحزب الحاكم كان من المفترض أن تستعين بهم الفضائيه السودانية ليحدثونها عن تاريخ هذه المدينة العريقة التي صمدت في وجه المستعمرين الغزاة حينما تصدت لهم جيوش سلطنة دارمساليت بقيادة السلطان تاج الدين الذي استشهد في موقعة كريندنق.

ولم يكن للنفار وقت نقل العاصمة من درجيل، أي وجود إطلاقا، في مدينة الجنينة التي كانت مكانا يستريح فيه السلطان بحرالدين أبكر وحاشيته حيث تربض مزرعته او جنينته بالقرب من رهد كلنغي بحي ودامطيس، الثورة جنوب حاليا ولذلك سميت المدينة بالجنينة. ومن معالم المدينة المسجد العتيق بحي الثورة جوار قصر السلطان والذي تم بناءه عام ١٩٣٦م.

مقالات ذات صلة