مقالات وآراء

الحراك الجماهيري

اسماعيل عبد الله

ان الفعل الجماهيري و الشعبي لابد له من وجدان جمعي يربطه , والا تفرق الناس ايدي سبأ و ذهبت ريحهم , فالفشل في قيام الاحتشاد الجماهيري يوم الخميس الماضي , والذي دعت له (قوى المعارضة) تحت هذا المسمى الفضفاض , حيث ان كل شخص يمكنه ان يمهر بيان باسم المعارضة , و يقذف به في اتون دهاليز الانترنت , و في الآخر يأتي اللوم على كل من نافح وكافح من اجل اسقاط النظام بكل جد و مصداقية وتفاني , بناء على هذا البيان المبهم منعدم الهوية , ربما تكون هذه الهلامية في تفاصيل هذا البيان هي السبب في عدم التجاوب , و ضعف الاستجابة من المواطن السوداني الذكي و اللّماح تجاه التظاهر , فعندما سيّر الحزب الشيوعي تلك المسيرة السلمية , علم الجميع هوية ومصداقية معارضة الحزب الشيوعي للانقاذ , فتجاوب معها حتى غير الشيوعيين واندمجوا في الماراثون , لذا كان لابد من تسمية الاشياء بمسمياتها عندما ندعوا جماهير الشعب السوداني الى الفعل الثوري , يجب علينا ان نكون على قدر عالٍ من الذكاء و المعرفة , بمكنونات هذه النفس البشرية المستوطنة في ارض النيلين , التي فشلت التنظيمات و الاحزاب الايدلوجية في استيعابها بكل تنوعها الفريد والمميز , هذا الشعب ذو طاقة كامنة ما زالت عصية على ان تطوّع من قبل الذين طرحوا انفسهم في الساحة السياسية , من وجهاء احزاب و رؤساء منظمات مسلحة و ناشطين , فواحد من الدوافع التي جعلت هذا الشعب يتأخر , في القيام بالثورة الشعبية العارمة المسقطة لكهنة الانقاذ , هو ضحالة الانموذج المعارض الذي يتحدث باسم الجماهير , و استخفاف هذا الانموذج بالعقلية الجمعية لهذا الشعب الأبي , وخير مثال لهذا تلك المسرحية التي يقوم بعرضها وادائها ابنا السيدين المساعدين للطاغية في القصر الرئاسي , مع اصرار الزعيمين الكبيرين على ان يلعبا دور ريادي , في قيادة الناس الى تغيير النظام الذي يمثل ابنائهما المساندين الرئيسيين له , هذه الازدواجية ساهمت في احباط روح الشعب السوداني المعنوية , و تركته ينظر الى السيدين الصادق المهدي و محمد عثمان الميرغني بذات النظرة التي يرمق بها المشير .
اما الحركتان الشعبية و العدل و المساواة و معهما جيشي تحرير السودان , فقد تقوقعوا في جحر ضبهم الخرب و القديم , ولم يخرجوا من العبائة الجهوية التي البسهم اياها نظام الانقاذ و استثمر فيها اعلامياً ما شاء له ان يستثمر , والغريب في امرهم انهم لم يستفيدوا حتى من مجانية استخدام صفحات التواصل الاجتماعي بالشكل المطلوب , فتجد الناشطين المستقلين هم الاكثر ظهوراً , و الاوسع انتشاراً والاصدق طرحاً على هذه الصفحات , حتى انك تستغرب في انه كيف سمح أمناء الاعلام لانفسهم في هذه المنظمات العسكرية , لان يتمترسوا في خانة المراقب ولا يواكبوا مجريات الاحداث المتسارعة , على واقع ارض الوطن ليصدروا مجرد بيانات مناصرة و مساندة وداعمة روحياً , لتظاهرات المدنيين في الداخل وهم يواجهون الآلة الفتاكة للنظام بصدورهم العارية , لقد قدم لنا الخواجة صانع الديمقراطية , وحامي حمى حرية التعبير كل الوسائل المجانية هذه , في ان ننهض و نثور لنبني وطناً ارغينا وازبدنا في التغني به كثيراً , ولكن لا حياة لنا وهذا الخواجة قد بُح صوته وهو ينادينا ان قوموا الى وطنكم , ان الحالة الذهنية و المزاج العام الذي استثمرت فيه الانقاذ قد خلقته هذه الاحزاب وهذه المنظمات العسكرية , لقد قدمت افراد وجماعات شعبها على اطباق من فضة وذهب للنظام الانقاذي , ذلك بانعاشها لحالات الفصام الاجتماعي التي يعيشها الشعب , فالكل يريد ان ينال شرف اسقاط النظام لوحده , يتضح هذا من خلال مسيرة الحزب الشيوعي و حراك حزب المؤتمر السوداني , و تلكوء حزب الامة و غياب الحزب الاتحادي , ولسان حال كل واحد من هؤلاء يقول :(وفلان احسن مني في شنو) , وشبابنا في المنظمات العسكرية المتمردة يتربصون , ليقتنصوا السانحة للانقضاض المفاجيء على تركة الانقاذ بعد سقوطها , و من ثم يفرضون علينا ما يسمى بالشرعية الثورية مثلما فعلت الانقاذ , التي تحولت شرعيتها الثورية الى شرعنة للدكتاتورية , وتمكين للدولة الثيوقراطية القاسية التي استمرت ثلاثون عاما.
انّ الحل يكمن في تأسيس لجان شعبية للثورة في المدن و الاحياء و الارياف , وكل لجنة تقوم بواجبها تجاه سكان الحي او الفريق او الحلة , من تحشيد الى تنسيق مع اللجان الاخرى في الاحياء المجاورة , ارتفاعاً الى اللجنة الاعلى الممثلة للمدينة , الى التنسيق الاكبر بين لجان المدن السودانية الكبيرة مثل بورتسودان , دنقلا , عطبرة , مدني , الابيض , الفاشر , نيالا , كادقلي وكوستي , هذا على سبيل المثال لا الحصر , وهذه طريقة عملية لانجاح وتفعيل الحراك الجماهيري الشامل لكل بقاع جغرافيا الوطن الحبيب , واذا كان لابد من تنظيم مؤهل لقيادة مثل هذا العمل فهو حزب المؤتمر السوداني , لانه يختلف عن الشيوعي في انه لا يعاني عقدة الايدلوجيا , فهو حزب سوداني مؤهل لان يعبر عن فسيفساء المجتمع السوداني , بحكم ما قدمه من تجربة عملية ناجحة في هذا الاطار , فالتخندق الذي استمرأته القوى السياسية التقليدية سيؤدي الى ابتكار قيادة شبابية جديدة , تنبع من وسط هذا الشعب التائه و الحائر , وستكون البديل الطبيعي لهذه القيادة الديناصورية التي هرمت , وفشلت في تطوير مؤسسات احزابها وكياناتها السياسية , فالمتابع لحماس الشباب الناشطين في دهاليز الفيس بوك و اليو تيوب , يثق في رحم حواء السودان و يستبشر خيراً بحتمية ميلاد ثورة الشعب المقدسة , وكما تعرضنا لأزمة ازدواجية الموقف من النظام الجائر من قبل حزبي الامة و الاتحادي , فاننا نعيد ونكرر بان اتخاذ قرار سحب (الابناء الرئاسيين) من مؤسسة الرئاسة , من قبل هذين الحزبين في هذا التوقيت تحديداً , يمكنه ان يحفظ لهما شيء من ماء الوجه الذي اريق على عتبة بوابة القصر الجمهوري , فالمثل يقول : (ركّاب سرجين وقّيع) و(صاحب بالين كذّاب) , فاذا لم يستجب السيدان لنداءاتنا هذه فسوف يفوتهم قطار ثورة الشعب المباركة.
على الشباب و الطلاب في الجامعات و المدارس و الاحياء , البت والشروع في تكوين هذه الاجسام الصغيرة , التي سوف تدفع بعضها بعضا الى ان تحدث الهزّة الكبيرة , فالعمل الجماهيري يتطلب الايمان بمقدرات جميع شرائح المجتمع , فلا تبخيس ولا استرخاص لدور ذكر كان او انثى , ولا صغيراً كان او كبيراً , فالثورة على كهنة الانقاذ اصبحت خياراً اوحداً للشعب السوداني , ولا خيار اخر يمكن ان يكون بديلاً للانتفاض ضد من اغتصبوا سلطة الشعب , و اهدروا ثرواته بالفساد و الافساد فاوردوا اقتصاده موارد الهلاك , فكما يقول شاعرنا الراحل حمّيد : ايد ابوي على ايد اخوي على ايدنا , على ايد وايد تجدع بعيد , الى اخر مقطع في تلك الملحمة الملهبة لحماس الثورة السودانية في كل الازمان و الاماكن, او كما قال ارنستو تشي جيفارا ايقونة فقراء وثوار العالم : (الثورة قوية كالفولاذ , حمراء كالجمر , باقية كالسنديان , عميقة كحبنا الوحشي للوطن).

ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة