الهادي عبدالله
إرتكبت مليشيات الجنجويد، مجزرة بشرية أخرى، ضد المواطنيين المعتصمين سلميا، في الوحدة الإدارية ”فتابرنو“ التابعة لمحلية ”كتم“ بولاية شمالي دارفور أمس (الاثنين) الموافق 12 يوليو، أودت هذه المجزرة، بحياة تسعة أشخاص على الأقل، وإصابة نحو 13 آخرين بجروح خطيرة، ونهب ممتلكات وحرق سوق المنطقة بالكامل.
هذه المجزرة البشرية التي ارتكبتها مليشيات الجنجويد سيئة الذكر، بعد أن مضى على اعتصام فتابرنو، 9 أيام، في خضم تجاهل تام من قبل الحكومة الانتقالية وحاضنتها السياسية التحالف الإنتهازي ”الحرية والتغيير“ وتآمر حكومة شمال دارفور، مع الجنجويد القتلة، وتخازل الحركات المسلحة.
منذ أن شُكلت هذه الحكومة بمجلسيها ”السيادة والوزراء“ عمدت مليشيات الجنجويد في اتركاب انتهاكات بشعة ضد حقوق الإنسان في إقليم دارفور، كما لم تتخذ أية تدابير لوقفها، وذلك كأنما ضحايا الحرب بدارفور، هم مشروع قتل واغتصاب والسحل والتمثيل بجثثهم… أو كما يرتع الجنجويد.
مواطني ”فتابرنو وكتم كبكابية ونيرتتي“ والحبل على الجرار، اتبعوا الاعتصام كسبيل، للضغط على حكومة انتقالية، كُونت بعد ثورة 2018 وكان لمواطني دارفور، القدح المعلى في اشعالها، وذلك لأجل بسط الأمن وتحقيق العدالة والسلام، غير أن يجئ نظام جديد، يتبع نهج سلفه في كل شئ، أمر لا يستقيم، وغير مقبول.
عزيز القارئ:
اعتصامات ”فتابرنو، وكتم، وكبكابية“ بشمال دارفور و”نيرتتي“ بوسط دارفور، و”مستري“ بغربي دارفور، جاءت عقب تجاهل الحكومة حاجتهم للأمن ناهيك عن الغذاء، ومطالبهم مشتابه بل متطابق في كثير من بنودها وتتمثل في الآتي: نزع أسلحة مليشات الجنجويد، وتأمين الموسم الزراعي، وإقالة مسؤولين أمنيين وسياسيين وإداريين؛ وذلك لتواطئهم مع الجنجويد في ارتكاب كافة الانتهاكات، فضلاً عن تقديم عناصر الجنجويد الذين، دونت ضدهم بلاغات جنائية لدى الشرطة.
هذا، والأوضاع الأمنية بدارفور بصورة عامة، ليست مستقرة، فقد ظللنا نشاهد جرائم قتل واغتصاب ونهب وغيرها، بين الفينة والأخرى، في خضم صمت رهيب من قبل الحكومة الانتقالية، والحركات المسلحة، والأحزاب السياسة ومنظمات المجتمع المدني، دون إستثناء، ورغم أن بعضهم يتكفي باصدار بيانات باهتة لا ترقى لدرجة المسؤولية، إزاء هؤلاء الضحايا مشروع التقل والتهجير والاغتصاب.
يقول الأديب والروائي السوداني، عبدالعزيز بركة ساكن: إن (الجنجويد، يفتقدون لأبسط القيم الإنسانية، ناهيك عن قيم التسامح والحب والجمال… وهم من الاشياء المستحدثة ”ريبورتات“…) إنتهى، وحالياً تتم إدارة الجنجويد بواسطة قياداتهم في المجلس السيادي الإنتقالي، وذلك بهدف استخدامهم كورقة ضغط لتحقيق مكاسب ”سياسية واجتماعية واقتصادية“، في كافة انحاء السودان، ودارفور حالة خاصة باعتبار ان المشهد السياسي في السودان لا يزال متقلباً، أن جميع القوى السياسة تعلم هذه النوايا المريضة، فلذا الحركات المسلحة المشاركة في مفاوضات جوبا أقصد هنا ”مسار دارفور“ سيما تحالف الحرية والتغيير، ظلت تقدم تنازلات لأؤلئك الدكتاتوريين الدمويين، والمرتجى منهم في المقابل تقديم تنازل في عملية تقسم المنافع عبر الحكومة الإنتقالية.
وفي معرض حديثه لصحيفة ”صوت الهامش“ قال الزميل الصحفي شمسون يوحنا: إن
”الحكومة الإنتقالية لم تعطي الأولوية لمناطق الحرب التي عانت من ويلاتها لفترة طويلة، بل ظلت تركز كل اهتماماتها على ولايات المركز، وتركت أنصار النظام البائد يمارسون ما يريدون في مناطق الحرب، والذين ارتكبوا الجرائم ضد المدنيين في دارفور مازال موجودين ومستمرين في سلوكهم، وفي نفس الوقت يدعون أنهم قوات نظامية، ووجودهم في ولايات دارفور من أجل بسط الأمن وحماية المواطن، ولكن في الواقع عكس تماما، هذه المليشيات غير مرحب بها من قبل سكان دارفور، لذلك نجد من ضمن مطالبهم في إعتصام نيرتتي، إبعاد قوات الدعم السريع والاستخبارات، وهو دليل كافي لما ذكرته“.
وأضاف يوحنا قائلاً: ”أشيد بالقرارات التي اتخذها أهالي دارفور بإستخدام الوسائل السلمية المظاهرات والاعتصامات، للمطالبة بحقوقهم المسلوبة منذ زمن طويل، ويجب أن نعترف بأن التغيير الذي حدث بإسقاط نظام المؤتمر الوطني البائد، لم يتذوقه أهل المناطق المهمشة بصفة عامة، وأهل إقليم دارفور بصفة خاصة، لأن كل الممارسات التي حدثت في عهد النظام البائد من قتل وتشريد واغتصاب والاعتقالات التعسفية مازالت موجودة، وتمارس حتى الأن وللأسف في ظل ما يسمي بالحكومة الانتقالية التي تنادي بحرية سلام وعدالة“.
وزاد بقوله: ”أهالي دارفور لهم مطالب واضحة، تتمثل في تحقيق العدالة، وذلك بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية وعلى رأسهم الرئيس المخلوع وآخرين، ليتم لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها في حق الأبرياء، كرد اعتبار للضحايا، ولكن الحكومة ظلت موقفها رمادي وطمالت كثيرا في هذا الملف، مما شكك الكثيرون في مصداقية الحكومة الإنتقالية حول هذا الملف وعدم وجديتها في تحقيق العدالة“، إنتهى.
حديث الزميل يوحنا، يجسد واقع الحال، ويصيب أمال الضحايا في الصميم، أما فيما يتصل بحالة الفاعلين في المشهد السياسي، فثمة تقاطعات في المصالح، وبالتالي العمل تجاه المواطن السوداني، يتوقف حسب الإنتماء الضيق، الإثني والقبلي والجهوي والديني، ولهذا أن تحالف الحرية والتغيير، الذي يمثل حاضنة سياسية للحكومة بعد أن تحين الفرصة بكل انتهازية وسرقة ثورة 18، وذلك يتجلى في التزامه الصمت إزاء انتهاكات الجنجويد ضد ضحايا الحرب، سيما تركبيته والأشخاص الذين يديرونه، ينقصهم الوازع الأخلاقي المؤهل لإتخاذ مواقف مناهضة لأي إنتهاك يمس حقوق الإنسان بصرف النظر عن، الانتماءات الضيقة، الاثنية أو القبلية أو الجهوية أو الدينية، أما بالنسبة للحركات المسلحة، فبعضها إنشكف أمرها خلال ثورة 2018، وبات من الواضح أن قضايا الحرب في دارفور ليس من أولوياتها، وبعضها الآخر لا يزال يغرد خارج سرب المشهد، وجميعهم يساهمون بدراجات في ضياع حقوق هؤلاء الضحايا وازدياد الانتهاكات ضدهم.
آخر الكلام، إن جرائم الجنجويد ستستمر في دارفور على الأقل، والحكومة تظل متفرجة، وجزء من الحركات المسلحة، ستكفتي باصدار البيانات الباهتة، ولكن في نهاية المطاف القرار في يد من تُنتهك حقوقهم، وذلك باتخاذ جميع الوسائل السلمية للتضغط على جميع الأطراف الفاعلين في دارفور لوقف هذه الانتهاكات الفظيعة.