عبدالعزيز يعقوب
تستغل مليشيا الدعم السريع في السودان البنية القبلية والاجتماعية لكسب نفوذ عسكري سريع. يتم ذلك من خلال توظيف الولاءات الإثنية والعشائرية في مناطق النزاع، خصوصًا في دارفور والمناطق الطرفية. تعمل المليشيا على استمالة بعض القبائل عبر خطاب هوياتي يربط الحرب بالدفاع عن الجماعة. مما يجعل الانخراط في القتال يُصور كواجب لحماية القبيلة.
كما تعتمد المليشيا على حوافز مادية مباشرة، مثل توزيع السلاح، الذخيرة، الأموال، ووسائل النقل، عبر شيوخ ووجهاء القبائل مقابل حشد مقاتلين. كما تستغل العداوات التاريخية بين بعض المكونات القبلية. فتدعم طرفًا على حساب آخر، مما يوسع دائرة النزاع المحلي ويعمّق الانقسام الاجتماعي لصالح أهدافها العسكرية.
الاستثمار القبلي يحقق أهدافًا قصيرة المدى. لكنه يترك إرثًا طويل الأمد من الانقسامات الاجتماعية والعنف الأهلي. فالاعتماد على الولاءات القبلية بدل القانون والدولة يضعف مؤسسات الدولة. يخلق بيئة خصبة لتصعيد النزاعات المستقبلية، حتى لو توقفت الحرب الرئيسية بين الحكومة والمليشيا. كما يمكن أن تؤدي هذه الانقسامات إلى تفكيك النسيج الاجتماعي التقليدي وزيادة مستويات الشك والعداوة بين القبائل. وقد تنتقل آثارها عبر الأجيال.
على الصعيد الاقتصادي، يعتمد بعض القبائل على المليشيا كمصدر حماية أو دخل من خلال النشاطات غير الرسمية، مثل التعدين والتهريب، ما يربط مصالحهم بشكل مباشر بوجود المليشيا، ويجعل أي انسحاب أو هزيمة محتملة للمليشيا محفوفًا بالاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية.
المخاطر الرئيسية
• تمدد النزاع الأهلي: التحالفات القبلية المسلحة قد تتطور إلى صراعات واسعة حتى بعد توقف الحرب الرئيسية.
• تآكل مؤسسات الدولة: الولاءات القبلية تقوض سلطة الدولة وتضعف تطبيق القانون والعدالة.
• استدامة العنف عبر الأجيال: الانقسامات بين القبائل قد تنتقل للأجيال القادمة وتخلق دورة مستمرة من العنف الانتقامي.
• اضطرابات اقتصادية: ارتباط بعض القبائل بالمليشيا اقتصادياً يجعل أي انسحاب أو فقدان للميليشيا يفاقم أزمة الموارد المحلية.
• عجز عن بناء السلام: استمرار هذه الاستراتيجية يعقد جهود المصالحة وإعادة بناء الدولة، ويهدد الاستقرار على المدى الطويل.
تجارب دولية عديدة تعكس نفس النمط من المخاطر.
ففي رواندا قبل الإبادة الجماعية عام 1994، استغلت ميليشيات الهوتو الانقسامات العرقية لحشد المدنيين، مما أدى إلى تفاقم النزاع وتحول الخلافات الاجتماعية إلى إبادة جماعية.
وفي العراق بعد 2003، استخدمت جماعات مسلحة الولاءات الطائفية لتجنيد مقاتلين محليين. ما أدى إلى صراعات طائفية طويلة الأمد في المدن الكبرى.
أما في ليبيا بعد 2011، فقد وظفت ميليشيات الولاءات القبلية والإقليمية لتوسيع نفوذها. ما أدى إلى صراعات مستمرة أعاقت بناء الدولة المركزية.
توضح هذه النماذج أن استثمار الميليشيات في الولاءات الاجتماعية أو القبلية يمنحها قوة سريعة على المدى القصير. لكنه يترك آثارًا سلبية طويلة المدى، بما في ذلك استمرار النزاعات المحلية، تفكك النسيج الاجتماعي، تعطيل فرص السلام والاستقرار، وزيادة هشاشة الدولة. وفي السودان، يمكن أن يؤدي استمرار هذا النمط إلى إرث طويل من النزاعات الداخلية. سوف يهدد أي جهود لإعادة بناء الدولة، حتى بعد انتهاء هذه الحرب.
