مقالات وآراء

نفاق مجلس الأمن ..أين السلام الذي يطالب به الحركات المسلحة بالإنضمام إليه؟

بسم الله الرحمن الرحيم

عبدالغني بريش فيوف
إنه لأمر غريب جدا ان يدعو مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على المجموعات المسلحة التي ترفض الإنضمام إلى ما يسميها هو بعملية السلام في السودان ، لأن هذا المجلس يعلم علم اليقين أن أي سلام شامل ودائم وعادل لا يمكن تحقيقه في ظل نظام ارتكب الابادة الجماعية ضد مواطنيه وما زال يقتل ويلاحق حتى الذين لجأوا إلى معسكرات النزوح بحثاً عن الأمن والطعام والدواء.
إن قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في بداية هذا الشهر ويحمل الرقم “2340 (2017)” بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة القرار، ويطالب بضرورة أن تنضم جميع المجموعات المسلحة لعملية السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي ، ما هو إلآ نفاقاً أممياً دون رتوش ، ذلك أن مجلس الأمن الدولي بهذا القرار الجائر الظالم يضفي صبغة الشرعية على نظام يخرق بشكل دائم قراراته ويعرض حياة مواطنيه لأعظم الأخطار.
حث القرار الدولي الجائر “جميع المجموعات المسلحة في جبل مرة، بما في ذلك جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور بالانضمام الى مفاوضات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي كخطوة أولى نحو التوصل إلى اتفاق سلام شامل ومستدام” ..لكن ما يغفله هذا القرار الأممي الإستهبالي هو ان الاتحاد الأفريقي المشار اليه في القرار المذكور ، قد تخلى عن مساعيه لإحلال السلام في السودان عبر خارطة الطريق التي طرحها على أطراف النزاع السوداني عام 2016 وذلك لإصرار النظام في الخرطوم على الحاق موقعي هذه الخارطة بالحوار الوطني الداخلي أو ما سمي “بوثبة البشير”.. فلماذا تغاضى وتعامى هذا المجلس عن اصرار النظام على موقفه المتصلب!؟.
ان اشارة مجلس الأمن إلى “استعداده للنظر في فرض عقوبات ضد الأفراد أو الكيانات التي تعرقل عملية السلام وتشكل تهديدا للاستقرار في دارفور أو يرتكبون انتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي أو حقوق الإنسان أو غيرها من الأعمال الوحشية أو انتهاك التدابير التي تنفذها الدول الأعضاء وفقا للقرارات ذات الصلة” ،انما معاقبة للمظلوم الذي لا قوة ولا حول له ومكافأة لنظام الخرطوم الظالم ، وهو بهذه الإشارة تدفع الخرطوم الى ارتكاب مزيدا من الجرائم ضد مواطنيه.
خارطة طريق الاتحاد الأفريقي التي يشيد بها مجلس الأمن باعتبارها خطوة مهمة من أجل وقف القتال وإجراء حوار سياسي شامل. قصها النظام السوداني حسب مقاسه وطالب معارضيه القبول بهذا المقص دون أي رد فعل من الإتحاد الأفريقي أو مجلس الأمن الدولي ..غير أن الأخير لا يتحرج من التهديد بفرض عقوبات على الرافضين لمقص عمر البشير ليتضح دوره التآمري المتواطئ والمشترك مع نظام الخرطوم ضد حملة السلاح والممانعين.
لا رجاء من مجلس الأمن الدولي ، فقد تورط هذا المجلس في كثير من القضايا الدولية وتسبب في كثير من معاناة الشعوب بإصدار قرارات لا يستطيع هو متابعة تنفيذها ،فمثلا تدخل في القضية الليبية قبل ست سنوات وبعد ان اطاح بالعقيد معمر القدافي ترك الليبين وحدهم دون حلول ليدخلوا في فوضى سياسية شاملة وحرب أهلية لم تتوقف إلى يومنا هذا. وتدخل في صراع الأطراف المتناعة في دولة جنوب السودان بإصدارات جملة من القرارات لكن جميعها راحت ادراج الرياح لعدم جدية هذا المجلس بإلزام الأطراف المتصارعة بها.
مجلس الأمن يدعي حفظ السلم والأمن الدولي لكنه في حقيقة الأمر بعيد كل البعد عن هذا الهدف كونه يعقد الطرق التي تحل بها المنازعات الدولية ولإساءته المتعمدة للشعوب الضعيفة من خلال وقوفه مع انظمة ديكتاتورية ظالمة ..وتهديده بفرض عقوبات على المجموعات المسلحة التي ترفض الإنضمام إلى الحوار الذي يقوده النظام الهالك في الخرطوم إنما يعني محاكمة المجني عليه مرتين ..مرة على يد نظام الخرطوم ومرة على يد مجلس الأمن الدولي.
لم يعد ممكنا ان يسمح مجلس الأمن الدولي لنظام الخرطوم بارتكاب الإبادة الجماعية ومن ثم يقوم هو للتغطية عليه ، بل بمكافاته باطلاق تهديداته علنية وصريحة ضد الحركات المسلحة المعارضة ليبدو هذا المجلس غارقا الى اذنيه في النفاق.
النظام السوداني ذاته الذي يطالبون الحركات المسلحة التحاور معه اليوم ، اتهمه مجلس الأمن الدولي قبل ثماني اعوام بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اقليم دارفور، دون ان يتحرك بالقبض على رئيسه عمر البشير وبقية مجرمي نظامه ، فالظروف اختلفت، والقصة في الأساس، ليست قصة ابادة جماعية ووقوع جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية في السودان ، بل الحكاية كلها نفاق واستهبال.
هذا المجلس مجلس منافق ، وبلا أخلاق، وقتما يريد تصبح قضية الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية سببا في تهديد الخرطوم ، ووقتما يريد يسكت ويتعامى، وسذج فقط من يصدقون ان هناك اخلاقا في السياسة الدولية ، أو ان هناك عدالة في الأساس في هذا العالم.

مقالات ذات صلة