مقالات وآراء

حالة السودان الراهنة .. ومأساة الشعب

الطيب محمد جاده

إن السودان بحالته الراهنة .. أشبه بمصنع محطما , تقف جماهير الشعب ملتفين حوله .. منتظرين أن تحدث معجزة وينصلح من تلقاء نفسه .
واما طال الانتظار .. وفرغ الصبر .
للأسف هذا المنظر المفجع الفظيع المؤلم , الذى نراه فى حالة وطننا السودان الآن .. ويجعلنا نتساءل عن سبب هذه المشكلة .
وفى الحقيقة , ليست المشكلة الغرب او الشرق او الوسط مشكلتنا الحقيقية .. هى وجود نظام دكتاتوري يرفع شعاراته الصورية القهرية وأجهزته الإرهابية , ولا يمكنه أن يحل المشكلة فهو المشكلة نفسها .
المأساة .. إننا لا نملك القانون الذى يطبق على الناس جميعا من أول مسئول الى أخر مواطن بدون استثناء .. بالرغم من أن الحكم العنصري القبلي, يغرقنا فى مئات بل الألوف من القوانين والتشريعات , وطول الوقت يفصل ويعدل فى كافة القوانين لمصلحته .
نحن فى الوقت الحاضر , شعب فقير .. يعانى من أزمة اقتصادية طاحنة ولا هناك معجزات تنقذه .
وليس هناك اي ضمير حي تجاهنا من السياسين لان حلمنا بسيط ، ولكن المنافقين هم سبب فقرنا ومأزقنا فى هذه الحياة .
وحلنا ومنقذنا ومخرجنا , من هذا المأزق وكل مأزق , هو تحقيق حلمنا البشرى القديم , الذى نادرا ما تحقق شيئا منه , وهو عدالة فى كافة النواحى الاقتصادية والاجتماعية .. وعلى أن تكون حادة وقاطعة كحد السيف , وذلك من أجل حماية الشرف والعمل والقيم والحرية وأيضا عدالة الإنسان وحقه فى حياة أفضل .
ومن أخطر أمراض شعبنا .. هو التجاهل والسكوت الذى نشكو منه أو كففنا ويئسنا حتى من الشكوى .. وأيضا اللامبالاة , وهذا الإحساس البغيض الرهيب بأن البلد ليست بلدك , وإنك أخر المسئولين عنها .
إن الشعب موضوع بين “ ناريين “.. إما أن يبقى نظيفا جائعا شريدا فى وطنه , وخائفا أن يدوسه وخائفا أن يدوسه قطار الانحراف , كأنه السيل العارم القادم .
وإما أن يسرق ما يمكن سرقته من وطنه الذى أصبح مصنعا متهالكا , ويتعلم أن يغمض عينيه عما قد يحدث من آخرون يسرقون أيضا , أى باختصار طريق الانحراف .. والمعيشة والثراء على حساب عرق الآخرين .
إن الطبيعة البشرية ضد الانحراف فى كافة أشكاله وصوره .. والإنسان أصلا وأساسا خلق ليحيا شريفا ونظيفا , والشاذ هو الذى يجرم أو يتعمد الخطأ أو الخطيئة , وهو لا يفعل هذا فى معظم الأحيان إلا مرغما , وإلا بالذات إذا وضعته بين خيارين بشعى القسوة الرهيبة وهما :
إما أن تجف روحه ويعانى من شرفه وقناعته .
وإما أن يقلد السائد ويفسد وينحرف إضرارا فى أول الأمر , والخطورة أن يتعود على ذلك .
والأزمة الطاحنة بوطننا .. مشكلتها ليست مشكلة فقر الإمكانيات أبدا , فكم من شعوب ودول مرت بأزمات أعنف بكثير من أزمتنا الحاضرة ، ولكن المشكلة الأساسية الناحرة فى هيكل مجتمعنا . أن العدالة الاجتماعية , والاقتصادية , والسياسية , والخلقية .. هى عدالة بها من الثقوب , أكثر مما بها من “ خيوط الغربال “ , عدالة تطبق فقط على الخائب , أما الشاطر فهو من يركب فوقها وفوق أكتاف الأخريين .
إن معاناة الشعب من حكم ديكتاتورى مستبد
لقد غرست فيه أورام خبيثة , من التشكك والارتياب والخوف والرعب , وأيضا الشقاق مع الآخرين ملئ الفراغ الزمنى الهائل فى الوقت الضخم الضائع فى حياتنا بدون عمل جدى , فى تشويه سمعة خلق الله .
وفوق كل ذلك النفاق .. حيث الكثيرون ينشدون أناشيد وشعارات السلطة الحاكمة بحماس شديد ..ولكنه فى قراره النفس يلعنون اليوم الأسود , الذى أجبرهم على تقبل هذه السلطة العنصرية .
لقد تكاثرت الأورام الخبيثة .. ومن الأهداف الملحة للشعب .. العمل على الفور فى إستئصالها وبترها , حتى لا نستمر ونتمادى فى التحولات الجذرية العفنة فى حياتنا .. ومن مساوئها إننا أصبحنا قوم نعتبر الوطنية تمجيد الحاكم .. والإسلام تمجيد لكل علماءها .. ونعتبر كل تناول لعيوبنا إهانة للوطن أو إهانة للإسلام .. ولهذا لا ننتقد إلا أقل القليل مما يجب أن ننقده .. ولا نسمح بتناول أى عيب فينا إلا برفق وحنان ومن بعيد , مع الاعتذار الشديد والتبرير الهائل مقدما عن أننا سنقول بعض الحقيقة .
والنتيجة إننا لا نتقدم , ولا نرى عيوبنا , ولا نصلحها ولو بخطى السلحفاة .. بينما هناك دول كانت فى غياهب الزمان مثلنا يعبرون الان الحواجز .. ويغزون المستقبل بسرعة الصواريخ .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock