مقالات وآراء

خلفية الدعوة لرؤية السودان الجديد قد تساعد الحقائق في التئام الجراح (نحو المجتمع الإنساني)

بقلم: محمود الحاج يوسف
yousif_474@yahoo.com/
المقدمة:
في فيلم سينمائي باسم “العامل الخامس”، هنالك مشهد حيث قامت المرأة التي أصلها من الفضاء الخارجي وتم إحياءها بتسليط شعاع علي عظمة رجلها، في المشهد قامت بمشاهدة تاريخ الجنس البشري بالحروب الدامية، في جهاز تلفاز لاسترجاع الأحداث الزمنية، فأجهشت في بكاء حاد، علي هذه الأحداث البربرية، والقائمة علي مسببات لا مصوغات لها. وبنفس القدر فإن الأحداث التي دارت في السودان خلال العقد الفائت والتي شكلت الظروف الحالية، تعطي ذات الانطباع عند مراجعتها.
عندما خاطب دكتور جون قرنق دي مبيور الجلسة الافتتاحية ل “مؤتمر أبناء النوبة” المنعقد في كاودا يوم 5 ديسمبر 2002، قال ” أنا ما عندي مانع في أنو ينادوني متمرد، في الحقيقة أنا ما بفرض على الناس انو يكونوا متمردين أنت لمن تشوف الحاجات البتحصل في السودان فدى البتثير المشاعر، فأنت إذا ما بقيت متمرد في السودان فإنسانيتك تصبح مشكوك فيها، فأنا أظن أننا كلنا في السودان متمردين بس الاختلاف بتكون في الدرجات، حقتنا ده زايد من حقت ناس تانين، بتاعت بعض الناس يمكن لسه. لكن حيوصلوا علشان حيضغطوك، كان ضغطوك أنت حتتمرد.”
بينما خاطب د. جون قرنق حفل التوقيع علي اتفاقية السلام الشامل بملعب نايو بنيروبي – كينيا قائلا، “هذه الاتفاقية ستعيد الكرامة للإنسان السوداني”، ويقصد هنا بالسوداني كل الشعب السوداني من جنوبه وشماله وغربه وشرقه، عرب وأفارقة، لأنني عندما هنأته بمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، يوم 26 يوليو 2005، قائلا بأن هذا نصر للأفارقة في السودان، ثلاثة أيام قبل وفاته ، رد علي قائلا “هذا نصر لكل الشعب السوداني”. والفهم المتصل بهذه الخلفية تعني “إن الشماليين قد استردوا إنسانيتهم بهذه ألاتفاقية”!
أخبرني احدهم بأن السودان الجديد قد مات مع قرنق، هكذا، ولكنني لا أومن بذلك، لأن رؤية السودان الجديد هي دعوة للإنسانية وتأسيس المجتمع الإنساني، والذي يؤمن من بين ألمبادئي بحق كل الناس في العيش معا وبناء مجتمع جماعي وهذا تفسير آخر بحق تقرير المصير، كسلاح لفرض تحسينات في مختلف أوجه الحياة والتي يمكن تنظيمها من خلال دستور محترم لكل الشعوب التي تعيش تحت مظلة السودان الجديد.
إن إيماننا بالسودان الجديد القائم علي وحدة السودان، والذي دفع علي عبد اللطيف ورفاقه حياتهم ثمنا لها ثم واصل دكتور جون قرنق دي مبيور علي ذات الخطي فدفع أثمانها، وسيأتي السوداني الحلم الذي ننتظره ليكمل ذلك المشوار، هذا هو الدافع الذي دفعني لكتابة هذه المقالة والأخريات التي ستأتي، بهدف توضيح بعض الأساسيات والتي فشل في توضيحها للجماهير الكثير من المثقفين في جيلنا والجيل الذي سبقنا، وهي محاولة تهدف إلي إقناع البعض بأهمية وحدة كل السودانيين وأفريقيا بصورة عامة.
كانت الأزمة السودانية معروفة قبل استقلال السودان في الأول من يناير 1956، ولكن لم يكن أغلب الناس علي علم بطبيعة خلفية هذه المشاكل. ولعدة أسباب، فلقد تم دفع الجيلين السابقين إلي تبني العقلية العامة والمتماشية مع نزعات محددة، والتي تربت من خلال مفاهيم معينة، والتي تلاعبت بالثقافة السودانية، وهكذا أتت متلائمة بمختلف التناقضات الخاصة بالتربية الطبيعية والمفروضة، إلي درجة أن الكثير قد بدأ في تنمية إذدواجية في الشخصية أو الشيزوفرانية.
ينطبق ذلك السيناريو عموما علي معظم الذين ينحدرون من أصول افريقية في شمال السودان، ورغم انه يتضمن هؤلاء الذين يعيشون في مدن غرب السودان (كردفان ودارفور)، ومدن جنوب السودان.
إن الكثيرين ممن انضموا إلي الجيش الشعبي لتحرير السودان، نموا بينما هم خاضعين لهذه التصرفات، ولقد حاول بعض الدارسين تفسير هذه النزعات من مختلف الخلفيات الايدولوجية، وللأسف لم تصل كل هذه النتائج إلي المواطن السوداني.
بمراجعة كل ذلك مع ظهور الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان عام 1983، يمكن للمرء أن يقر بأن دكتور جون قرنق دي مبيور كان قائدا عظيما لأدركه واستمساكه بجوهر الأزمة السودانية كتحدي للربوع الأفريقي والإنسانية جمعاء، من هذا الإدراك، فلا يمكن حل مشكلة جنوب السودان بمعزل عن المشكلة السودانية، أو من دون حل المشكلة السودانية ذاتها، لأنها جزء من هذه الأزمة، والتي ستخوزق عملية الوحدة الإفريقية.
ولكن إلي أي مدي معقدة هذه الأزمة السودانية، والتي أدت وانعكست إلي رؤية السودان الجديد؟ إن من أهم الصفحات في التاريخ السوداني، هي الأحداث التي أدت إلي ثورة عام 1924، والتي مازلنا نعيش تبعيتها إلي الآن، وقد قامت بصياغة التركيبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسودان الذي نحن به اليوم، مما أدي إلي التحديات المعاشة الآن حول الوحدة والانفصال! ويمكننا إدراك طبيعة ثورة عام 1924 في وقعها علي الذين درسوها، ومن بينهم دكتور أحمد العوض سكنجة [1]، ودكتور يوشيكا كوريتا [2]، ودكتورة إلينا فازاديني [3]، ثلاثة مصادر عن خلفية المأساة السودانية الحالية.
العسكرية القسرية
إن العلاقة السائدة في المجتمع السوداني قد شكلت من خلال التقسيم العرقي، والتي استقت من فترات طويلة لممارسة تجارة الرق، والتي بدأت قبل الفترة التركية وزادت خلال حكمهم (21 – 1885). وكان هم الحاكم المصري محمد علي باشا من احتلال السودان، هو الحصول علي الرجال والذهب وريش النعام، وكان يهدف إلي توسيع مساحة دولته من خلال الرجال، وبدعمه بالذهب.
وكان يطلق علي جيش محمد علي المكون من السودانيين لقب الجهادية، وقد تم أسرهم خلال حملات الأسر في جبال النوبة، ودارفور، وجنوب السودان و الفونج، وتم استخدم الآخرين الذين لا يصلحون في العسكرية كحمالي المياه وطباخين وحاملي الرسائل، ولتخيل الكم الهائل ممن تم الأتراك أسرهم، كمثال عام 1823، كان هنالك ستة أفواج، يتكون كل فوج من أربع آلاف رجل (الجملة 24,000) [1].
بالإضافة إلي ذلك، كان هنالك قوات غير نظامية تعرف ب الباشبزق، وكان يتم التجنيد لها من المجموعات التي تتحدث العربية في شمال السودان، مثل الشايقية والدناقلة، وكانت مهمتهم تتركز في جمع الضرائب والإغارة من اجل الحصول علي الرق، ونتيجة لهذا الدور، فلقد بدأت تنطبع لدي السودانيين صور معينة عن هذه المجموعات.
وهكذا فعدما بدأ محمد أحمد المهدي ثورته في الفترة 81-1885، أدرك الانضباط والكفاءة العالية التي يتمتع بها الجهادية، فبدأ يضمهم إلي جيشه، متي ما تم الاستيلاء علي حامية عسكرية أو مدينة، وفيما بعد تم تنظيمهم تحت إدارة حمدان أبو عنجة، حيث كانوا يمثلون القوة المدربة الجيدة، لذلك أوكلوا باستخدام البنادق [1].
لم تتوقف تجارة الرق خلال فترة المهدية، رغم أن الخليفة عبدا لله ألتعايشي الذي خلف المهدي بعد موته في 28 يونيو 1885 أي بعد ستة أشهر من الاستيلاء علي الخرطوم، قد حصر استخدام الرجال من الرقيق علي الجيش.
كانت تركيبة المجتمع خلال حكم الخليفة عبد الله مبنيا علي قاعدة منظمة ويتم المحافظة عليها من خلال أحكام إسلامية غير دقيقة، ويرتكز علي شخصية الخليفة وأسرته وأقربائه ومن ثم أتباعه [1].
ومع خلفية عقلية قائمة علي الريف، كان يتم استخدام السلطة لخدمة المصالح القبلية، لذلك كان المجتمع منقسما علي قبائل، وهي المكونة للقوة القتالية للمهدية، رغم أن الجهادية كانت تشكل القسم المهم من الجيش.
لاحقا عندما سقت أمدرمان تحت القوة الغازية البريطاني – المصري في 2 سبتمبر 1898، كان البريطانيين يتحركون بسرعة عالية للتحكم في الموقف، وبخاصة فإن الخليفة قد أنسحب من أمدرمان، وكان الفرنسيين بقيادة جان بابتست مارشان، (والذي من أحد أسباب التعجيل بالحملة)، والذي وصل إلي مدينة فاشودا، عاصمة مملكة الشلك في 10 يوليو 1898. خلال فترة الغزو، كان يوجد الكثير من الرقيق في شمال السودان، وكان الموقف في شمال السودان أشبه بالفوضى، حيث اخذ بعض الناس يقومون بالثأر، خصوصا الذين وصلوا مع القوة الغازية، وينحدرون من مختلف مناطق السودان، في تلك الفترة ومع وجود الكثير من الرقيق في البيوتات، فإن الجنود الذين من أصول افريقية انتهزوا تلك السانحة بإطلاق سراح الكثير من الأقرباء والأصدقاء بقدر الإمكان، ولكن تم أغلب ذلك في الخرطوم و أمدرمان، أو جنوب هذه المدن، ولكن لم يتغير وضعية الرق في شمال السودان، ومع أخذ ذلك في عين الاعتبار، فمثلا في أوائل القرن التاسع عشر يندر أن يخلو منزل في شمال السودان من واحد او اثنين أو حتى ستة من الرقيق ([1] من رحلات بوكهاردت)، ورغم أن ذلك يوضح اتجاهات داخل المجتمع في ذلك العصر، لكنها لم تتغير خلال حقبة المهدية أو في أوائل القرن العشرين، لان مساعد الاستخبارات في السودان في الفترة بين 1915 إلي 1926 السيد سي. أ. وليس علق علي ذلك قائلا: “لقد نما كل النظام الاجتماعي في شمال السودان للاعتماد علي الرق والذي بدونه لا يمكن تنمية ممتلكات أو المحافظة علي الأسرة” [1]. إذا كان هذه الملاحظة قد تم تسجيلها بواسطة بريطاني، بعد عقدين من وصول المحررين وجيش مكافحة تجارة الرق، فإن ذلك يدل علي أن هنالك خطأ ما يحدث في السودان في تلك الحقبة من الزمان.
في بداية 1900 تم إجراء مسح في شمال السودان، ففي مديرية دنقلا وحدها، قدر عدد الرقيق ب 15,468 بينهم 9,908 امرأة و5,560 رجل، بينما ست آمنة زوجة خوجلي الحسن فقط تم وقفها في نهاية العشرينات من القرن العشرين [1].
التفاعل الاجتماعي
في تلك البيئة، فإن الكثير من المواضيع قد بدأ النظر إليها بكثير من البساطة، كان البريطانيين لينين في تعاملهم في الأشياء الرئيسية مثل الرق، والذي تم منعه في بريطانيا والأراضي التي تحت سيطرتها قبل مائة عام من ذلك،ولكن لم تكن بريطانيا حازمة في تطبيق ذلك في السودان، ويشهد علي ذلك خطاب كتب في 6 مارس 1925، بواسطة ثلاثة من قادة الإدارة الأهلية والدينين، وهم علي الميرغني والشريف يوسف الهندي عبدالرحمن المهدي، كتب الخطاب إلي مدير الاستخبارات في الخرطوم، ويطلبون من الحكومة وقف إصدار شهادات الحرية للسودانيين ما لم يثبتوا سوء المعاملة! لقد بين الخطاب الآتي:
“عموما، فإن الرق في السودان ليس كما يجب أن يكون. إن السودانيين الذين يعملون في الأراضي الزراعية، هم شركاء حقيقيين ولهم الكثير من الامتيازات والحقوق والتي تجعل منهم طبقة لوحدهم، ولا يمكن تسميتهم بالرق في المفهوم العادي. إن شعب السودان والذين مازال عندهم سودانيين في الوقت الراهن يعاملونهم كثيرا مثل أعضاء أسرهم، نتيجة لحوجتهم الكبيرة لأعمالهم. إذا كانت هنالك جماعة يمكنها أن تشتكي فإنهم الآن الأسياد والذين هم تحت رحمة الخدامين” [1]، ومن المهم الملاحظة بان في تلك الفترة ، فإن كلمة السودانيين تشير إلي السود من الناس.
البض منا يمكنه التذكر في عام 1970، عندما دخل الرئيس جعفر محمد النميري إلي الجزيرة أبا، اكتشف الناس بان العاملين من طائفة الأنصار، كان يقدم لنسائهم فردتين من الزراق سنويا، وجلابية للرجال وحصة من الذرة والويكة، تلك هي الشراكة، واستمروا علي تلك الحالة أربعين عاما في تلك البؤس، حتى تم تحريرهم عام 1970، عندما سمعنا الكثير من القصص من زملائنا!
تم استيعاب قدامي الرقيق في مختلف إعمال التشييد والتي بدأت بعد الاحتلال، مثل المكاتب الحكومية والسكة الحديدية والطرق وخزان سنار والكباري، الخ.. البعض أنضم إلي الجيش حتى عام 1921 عندما بدؤوا في تكوين قدر عالي من الوعي تجاه أنفسهم والمجتمعات المحيطة، وبدأ ذلك مع تكوين جمعية القبائل المتحدة في عام 1921 بواسطة علي عبد الطيف، ممثلا الجناح السياسي والذي شارك لاحقا في تأسيس جمعية اللواء الأبيض، بقيادته مع عبيد حاج الأمين [2].
خلال تلك الفترة، حدث الكثير من الأحداث، والتي شكلت مصيرهم، أولها ثورة عرابي في مصر عام 1919، ومن ثم مقتل الحاكم العام للسودان السير لي ستاك في القاهرة في 19 نوفمبر 1924، حيث أمر البريطانيين الجيش المصري بالانسحاب من السودان، قامت الوحدات السودانية بقيادة عبد الفضيل الماظ برفض هذه التعليمات والتمرد، ولقد قاتلوا القوة البريطانية إلي أن قتل الماظ.

أخذت هذه الصورة التاريخية في يوم بدء الكفاح العلني في 15 مايو 1924
من اليمين: حسن محمد شريف –علي عبداللطيف – صالح عبدالقادر – عبيد حاج ألأمين [3] من الذين أسسوا جمعية اللواء الأبيض؟
إن القليل من المواد التي تم دراستها في المدارس عن ثورة عام 1924، وأصل علي عبد الطيف والتبعيات التي واجهها الإفراد وأسر الجيش الذي سرح بعد ثورة 1924 ، بالإضافة إلي السياسات الموروثة والغير مكتوبة، جعل الكثيرين يظنون بأن جمعية اللواء الأبيض قد تم تأسيسها بواسطة المجموعات السودانية من ذوي الأصول الأفريقية، لكن وبمراجعة الأسماء وأصول المؤسسين، نكتشف بأن أغلبهم كانوا من القبائل الشمالية أو خلط بين أباء سودانيين وأمهات مصرية أو سورية (ويقال عنهم حينها مواليد).
في 15 مايو 1924، أجتمع خمسة سودانيين من مختلف الخلفيات العرقية في سعيهم ومناقشاتهم الدءوبة حول المواضيع الوطنية بتأسيس جمعية اللواء الأبيض، وهي ذات اليوم الذي أرسلوا فيها برقية إلي الحاكم العام. هذه المجموعة المكونة من خمسة أشخاص، يمثلون المركزية واحد، وهؤلاء المؤسسين هم [3]:

1- علي عبد اللطيف (الأب من النوبة وإلام من الدينكا) ضابط سابق في جيش.
2- عبيد حاج الأمين (محسي)، موظف حكومي – قسم البريد والتلغراف.
3- صالح عبد القادر (جعلي ولكن يصفونه البريطانيين بالمواليد لأن والدته تركية الأصل)، موظف حكومي – قسم البريد والتلغراف.
4- حسن محمد شريف (مواليد)، موظف حكومي – قسم البريد والتلغراف.
5- حسن صالح (من المواليد)، موظف حكومي – قسم البريد والتلغراف.

المركزية اثنين، أو لجنة الظل، والتي يمكنها حلول مكان الأولي إذا حدث طارئ، وتتكون من [3]:
1- أحمد مدثر إبراهيم (دنقلاوي)، مشغل الهاتف في القصر.
2- التهامي محمد (شايقي والبعض يقول انه جعلي)، نجار.
3- أحمد دوليب خليل، (من الدواليب وقريب الأزهري)، كان رجل دين وليس له عمل.
4- حامد حسين (من المواليد)، نجار، وتدرب في ورش كلية غردون.
5- محمد إدريس، (جعلي)، مشغل تلفونات بسنجه.
6- حسن يوسف، (من المواليد)، صاحب فرن صغير، ومورد للأرطة السودانية التاسعة.

وكما رأينا، فمن أحد عشر مناضل، كان أحداهم فقط هو من السودانيين (مثلما كانوا يطلقونها آنذاك للقبائل الأفريقية من الجنوب والنوبة والفوج ودارفور)، كان ذلك هو علي عبد اللطيف، وبغض النظر عن أصله ولونه وهي معايير كان لها وزن في ذلك الزمان (وللأسف ما زال عند المجموعات المتخلفة)، تم اختياره رئيسا بواسطة المجموعة لقيادتهم، في فترة كانت فيها تجارة الرقيق ما زال ساريا ولم يتم إلغائها بعد رسميا، وهي توضح مستوي والوعي والوطنية التي ملكتهم وتميزت بها هذه المجموعة، في فترة كان فيها بعض السياسيين يسيئون لكل المجموعة بالإدعاء بأنهم سوف لن يمثلون بحثالة المجتمع [2].
ومثلما أظهر الاتحاد نبالة هؤلاء القوم من الشماليين، إنها أيضا توضح قدرة السودانيين للتجمع معا من أجل قيم سامية ومطوقة باتجاهات وطنية لتكوين الأمة السودانية. وفوق كل ذلك إنها توضح شخصية علي عبد اللطيف، والذي علي حسب معايير تلك الفترة، لا يقل عن دكتور جون قرنق دي مبيور، خلقيا، مع درجة عالية من التماسك الذاتي والكرامة.

ما هي مطالب جمعية اللواء الأبيض؟
أدعي البعض أن 1924 لم تكن ثورة، وذهبوا أكثر من ذلك بأنها لم تكن لها ثقل جماهيري، ولقد تم دحض ذلك، إذ استطاعت إلينا فازاديني الدفاع عن ذلك [3]، وتوصلت إلي أن أسباب هذه الروايات تكمن في عدم وجود معلومات كافية في تلك الفترة تلقي الضوء علي بعض الجوانب الخافية حول ذلك. والمعروف أن الكثير من المظاهرات قد تمت في الكثير من المدن وتوضح الدعم الشعبي وعمق الثورة وسط الشعب السوداني.
ولكن ما هي المبادئ التي قامت عليها جمعية اللواء الأبيض؟ هنالك الكثير من العوامل التي لعبت دورا كبيرا في إيجاد ذلك المناخ الذي صاحب الأحداث في عام 1924 (عيد الحركة الشعبية هو يوم 16 مايو ولم يكن مصادفة، وتعني أن دكتور جون قرنق كان يدري ما يفعل)، ولتفهم تلك العوامل بصورة جيدة، فإن دراسة متعمقة لعموم الأحوال مع وجود معلومات من عدة مصادر [3].
في اليوم الذي تم فيه إنشاء جمعية اللواء الأبيض، قام خمستهم بإرسال برقية إلي الحاكم العام، وذلك في 15 مايو 1924، وطالبوا فيها بالمزيد من الحقوق، والتمثيل السياسي والوحدة مع مصر، وذكر البرقية:
“نلتمس توصيل احتجاجنا هذا إلي كلا من البرلماني المصري والبريطاني. إن كرامتنا لا تسمح بأن نكون مثل الحيوانات والتي يتم شرائها وبيعها من دون أخذ رأيها. إننا نحتج بكل قوتنا لعدم إعطاء شعبنا الحرية الشرعية لإبداء رأيهم علنا وإرسال هؤلاء الذين سيتم اختيارهم من قبل الأمة لأبنائها المخلصين علي الأقل لكي يكونوا مدركين بالقرار الحقيق عن تسوية مستقبلهم خلال المفاوضات”
الخدعة التاريخية ألكبري
من أحدي الأسباب التي يقدمها الجنوب لتبرير تمرد عام 1955، بأن سودنه أكثر من 800 وظيفة قد أعطيت كلها للشماليين، ما عدا القلة بعدد أصابع اليد للجنوبيين [4]. لقد أستمر ذلك النهج، ولكن لم يسأل أحد السؤال الكبير، “ما هو تأثير هؤلاء في المجتمع السوداني؟”
في الفصل الثالث، بمنهج التعليم الأولي في النظام التعليمي السوداني القديم (لا أدري عن الجديد)، هنالك قصة البطل عبد الفضيل الماظ، والذي كما ذكر، قد حارب القوات البريطانية حتى مماته عندما هدم المبني الذي كان فيه علي رأسه، ووجد في اليوم التالي وهو ممسكا بمدفعه، وتقول القصة بأن معظم أعضاء جمعية اللواء الأبيض قد تم القبض عليهم ومحاكمتهم.
وهكذا فإن الرواية قد ربطت بين ما قام به الضباط السودانيين وجمعية اللواء الأبيض، وهي مسألة حاولت المحكمة الانجليزية إثباتها بقوة، ولكن لماذا تواصل الحكومات الوطنية بعد الاستقلال بحمل هذا الادعاء دون تمحيص؟ حيث دحض ذلك لاحقا [2].
في أوائل القرن العشرين، وبعد انهيار دولة المهدية، ومع بناء العاصمة المثلثة وتكوين الدولة، بدأ يطل المجتمع السوداني والذي قدم مع الجيش المصري [1]، مدنيين وعسكر، والذين درسوا في مصر، والبعض الذي كان في فرنسا، وحتى إلي المكسيك، رجعوا محملين بثروة من العلوم، والخبرات وفوق كل ذلك المدنية والحضارة الغربية، رغم إيمان عميق بالدين الإسلامي، هذه المجموعات قد حمل علي الاعتقاد بأنهم سيشكلون الأساس للحكم في مستقبل السودان [5]. هذه المجموعة من السودانيين المتعلمين شكلوا الأساس لمجتمع الطبقة الوسطي، بالإضافة للضباط المتقاعدين والذين انضموا إلي الخدمة المدنية، مثل علي عبد اللطيف [1]. قام الانجليز بالتركيز علي رفع أعداد أطفال القبائل الشمالية في المدارس التي تم فتحها، وشجعوا أبناء الشخصيات البارزة، لدرسه مواد معينة مثل القضاء والتعليم الذي كان حكرا علي هؤلاء [3]، كل هؤلاء الخريجين قد قاموا بتشكيل الطبقة الوسطي وقد شارك أغلبهم في مظاهرات عام 1924.
هذه الطبقة الوسطي ومع زخم الوعي والتي انعكست في كثرة فروع جمعية اللواء الأبيض في معظم المدن الشمالية. هذه العملية أشعرت كلا من الإدارة البريطانية التي لم تكن علي ود مع جمعية اللواء الأبيض. ونتيجة لتنامي نفوذ كلا من أر. أف. ونجت ضابط الاستخبارات في حملة النيل، ورودولف سلاطين والذي هرب من أسر الخليفة [1]. لقد كان سلاطين حاقدا علي المهدية، والأفارقة، وخصوصا هؤلاء الذين ينتمون إلي دارفور، لما حاق به من سوء معاملة، دينيا وبدنيا، كما ظهر في كتابه الذي كتبه بعد الهرب عام 1893 [6]. ولأن سلاطين قد تم تعيينه المفتش العام ومستشار للحاكم العام بعد الغزو، وكان له تأثير كبير علي ونجت، وبالتالي علي سياسة الإدارة البريطانية في السودان، هذا التأثير قد بدأ واضحا من أعماله مع ونجت لاستمرار الرق في السودان، رغم الضغوط من قبل المجموعات الإنسانية والكنسية في بريطانيا [1].
وقامت هذه المظاهرات بتنبيه القيادات الطائفية – القبلية، والذين كانت دفاعاتهم عن عقدة التعالي، بالإدعاء بنقاء أصولهم كسبب لحكم السودان، قادتهم إلي معركة سياسية طاحنة لتمثيل المجتمع السوداني، هؤلاء القادة، والذين نجحوا في تأسيس المشاريع الزراعية [7]، بينما يستغلون الرقيق لكسب المزيد من الإرباح [1]، بينما قام الانجليز برفع معنوياتهم، بأخذهم إلي لندن عام 1919 لتهنئة الملك جورج الخامس والإمبراطورية علي النصر في الحرب العالمية الأولي [7]، ولقد كانت الفترة بين الأعوام 1920 إلي عام 1924 في غاية من الشدة، لأنه من منطلق منظور العقلية والثقافة العربية، فإن علي الميرغني ومجموعته، كانوا يظنون، بأن لهم الشرعية بالحكم بناء علي التفوق، بينما كان علي عبد اللطيف ومجموعته في جمعية اللواء الأبيض، والمكونة من مختلف القبائل السودانية، وكانوا علي اعتقاد بأن جوهر المساواة في الإسلام (بالنسبة إلي المصريين) والديمقراطية (بالنسبة للبريطانيين)، تعطيهم الشرعية لتمثيل الأمة السودانية.
طبعا كلا من الكتيبة السودانية، والذي تمرد جزء منها، واحدي القيادات الطائفية علي الميرغني، قدموا مع القوات الغازية، وكلا المجموعتين أيدا وحدة السودان مع مصر، لذا لماذا قامت بريطانيا ومن بعد ذلك مصر بدعم علي الميرغني بدلا من علي عبد اللطيف ومجموعته؟ بالرغم من أن الضباط الذين تمردوا، وكان ذلك أساسا لأنهم رفضوا التعليمات البريطانية بانسحاب الجيش المصري من السودان فبدوا مصريين أكثر من الجيش المصري الذي أخفق في دعمهم كما اتفقوا علي ذلك، ولكن ما هو السر وراء هذه الأحداث؟
بعض الأسئلة المهمة، والتي تحتاج إلي الإجابة هي، هل كان علي عبد اللطيف حقا علي معرفة وقام بدعم التمرد؟ أم إنها كانت حجة فقط نظمت بواسطة هؤلاء الذين كانوا في مكتب الاستخبارات لتحطيم تقدم الأمة السودانية ممثلة بجمعية اللواء الأبيض وعلي عبد اللطيف؟

ثوار 1924 من اليمين
ثابت عبدالرحيم: أعدم – عبدالفضيل ألماظ: إستشهد – صالح عبدالقادر: هرب إلي مصر – محمد سليمان: أعدم [8] الكتلة السوداء
تم اعتقال علي عبد اللطيف مع الكثير من مجموعته، والكثير من السودانيين ذوي الأصول الأفريقية، وتم سجنهم وتسريحهم من الجيش والخدمة المدنية، ويمكن تصور ما دفعه أجدادنا من غالي الإثمان (الأرواح، والسجون، والمنافي، والوظائف، والوضعية الاجتماعية، ومستقبل الأسرة، وتعليم الأبناء، الخ …) لقاء هذا الوطن الغالي.
لاحقا في عام 1942، تم تكوين جمعية القبائل المتحدة بواسطة الجنود السودانيين السابقين، وفي عام 1948 تم تحويلها إلي الكتلة السوداء، وترأسها عثمان متولي، وهو أصلا من قبيلة الداجو بدارفور، ونائبه زين العابدين عبد التام، وهو ضابط متقاعد وعضو جمعية اللواء الأبيض، وهو من الدينكا، بينما كان أمين المال الشخصية المشهورة دكتور محمد آدم أدهم، وهو طبيب وتخرج من مدرسة كتشنر الطبية وهو من الداجو في دارفور [1]. ولقد عارضوا السياسة البريطانية في جنوب السودان وطالبوا برفع مستوي الجنوبيين، ولقد أخذ ذلك الاسم لإظهار سواد السودانيين [2]، والأصل الأفريقي للأمة السودانية.
نتيجة للدعوة من منطلق ألأرضية المشتركة لاستقلال السودان، وعدم القدرات المالية والدعم، بدأت المجموعة في التعاون مع حزب الأمة، وتسبب ذلك في الانشقاق بينهم [1]. أن قوة الكتلة السوداء في العاصمة في تلك الفترة، يمكن قياسها بعدد الجماهير التي شاركت في جمعيتها العمومية في أم درمان، لقد كانوا 4,000 شخص [2].
في بدايات 1950، قامت الكتلة السوداء ومجموعات أخري بمحاولة خلق تحالف عريض مع الجنوبيين، ولكن فشل ذلك، لأن الجنوبيين اتهموها بالتحالف مع مصر [1]، بالرغم من أن الكثير من القيادات الجنوبية حينها قد دخلت الحزب الوطني الاتحادي، وفازوا باسمها في الجنوب [2].
نتيجة لرد الفعل من المجتمع الشمالي، وعدم القدرة المادية، وفقدان مهارات التنظيم، نزلت المنظمة للعمل الخفي، وقام بعض أعضائها لاحقا بتكوين المنظمات الإقليمية، مثل إتحاد عام جبال النوبة (الأب فيلب عباس غبوش)، وإتحاد البجة [1]، وجبهة نهضة دارفور.
للتأكيد علي ما تم من طمس للحقائق، فإن أغلب السودانيين حاليا لا يدرون شيء عن تلك الأحداث، رغم أن كل الناس تعرف عن مؤتمر الخريجين وتشكيل الحزبيين. لقد قامت الكتلة السوداء بإنشاء جريدة باسم “أفريقيا” [2]، ونتيجة للكثير من العوامل، لم يتم الإشارة إلي البعض منها، ثم بدأ تأثيرهم وزخمهم في التلاشي، خصوصا عندما أحس النزعة المسيطرة بالخطورة التي يمكن أن تسببها للخط الذي اتخذته القيادات الشمالية الدينية والقبلية والتقليدية، ولكن علي أية أساس كان يقوم الخط الذي أتخذه هؤلاء القادة؟
إن الانعتاق داخل المجتمع السوداني، والذي مارس الرق القائم علي العرق، قد قام بتشكيل أيديولوجية هي العمود الفقري للعقلية الشمالية العربية، ويصعب علي غير السودانيين فهمها، خصوصا الأفارقة، والذين صدموا بمأساة دارفور. ولكن الباحثين مثل الدكتور أحمد العوض سيكنجة [1]، قد استطاعوا ألإمساك بخلفية ألأيديولوجية التي وراء المجتمعات الإسلامية، في المناطق التي يتم فيها تبرير الرق علي أسس دينية وعرقية، والمعبرة عنها بالآتي:
“خلال القرنين الماضيين، قامت المجموعات العربية في شمال السودان بتطوير سلالة نسب وعلي ضوءها أدعوا ألانحدار من أصول عربية، وقاموا بخلق أيدلوجية تقوم بتعيين من هو الحر ومن هو الذي يمكن استرقاقه. ووفقا لذلك، فإن أسلاف العرب قد أصبحوا المعيار الرئيسي للحرية بينما أصحاب المذاهب الروحية وأؤلائك من ذوي البشرة الداكنة فقرنوا بالخنوع والعمل الوضيع. ولقد قام المسئولين البريطانيين بتبني هذه ألملحوظات، والذين أتوا بتصوراتهم الخاصة، والتي صاغتها الثقافة التقليدية لغرب أوربا وخبرات الرق في العالم الجديد (أمريكا). منذ البداية، كان تصور المسئولين البريطانيين في السودان للعمالة من الجانب العرقي، مع تخيل معين عن القدرة العملية لكل عرق. مركز هذه الملاحظات هي الفكرة بأن الرق قد قام بتحويل مالكي الرق من الناطقين بالعربية كسالي وبالغضين للأعمال اليدوية، بينما جعلت الرقيق غير راغبين في العمل ما لم يتم إجبارهم علي ذلك”.
تلك هي المفاهيم التي وجدت طريقها إلي المجتمع السوداني وأوجدت جملة من الافتراضات والمعايير الباطنية المعاشة وهي التي كانت ألأساس لكل الصراعات التي قامت وتقوم من حين لآخر في بلاد السودان، بدأ من علي عبد اللطيف ورفقائه إلي دكتور جون قرنق دي مبيور، وفي كل مرحلة، كانت توجد قوة معاكسة تريد الاحتفاظ بالوضع القائم، والمرء يمكنه تعداد هذه الأوضاع القائمة في الحقب الماضية.
السودان الجديد
إن الأحداث التي انتهت في الخمسينات، تمثل مأساة كبري لما وصف في تلك الفترة ب “الرق السابقين” و “العناصر الزنجية المنبتة قبليا” [2]، لقد كانوا الأصل في التهميش داخل المجتمع السوداني، حيث أن أعدادهم في ازدياد ومع قدوم الكثيرين من المناطق المهمشة في السودان وسهولة تمازجهم معهم في العاصمة، ولكن دون فهم لجذور مشكلتهم.
وكما رأينا فإن هذه العناصر الأفريقية والوطنية من العروبيين وفي مختلف محاولاتهم لإقامة الوحدة الوطنية، وكما ورد في الأخبار وما رأيناه في صور قادة 1924، وما شهدناه في دكتور جون قرنق، فلقد كانت الكرامة الإنسانية هي محور اهتماماتهم، والأساس في توجهاتهم وتمنياتهم للآخرين.، فلقد كانوا مدفوعين باتجاهات وطنية إجابتا لأكثر المسائل السودانية إلحاحا، وهي مسألة الهوية. تلك النزعة أوضحتها الأزمة التي حدثت بين علي عبد اللطيف وسليمان كشة والذي أستخدم تعبير “أيها الشعب العربي الكريم” عام 1923، كمقدمة لكتاب كتبه بالنيابة عن جمعية اللواء الأبيض، متضمنا أشعار ألقيت خلال احتفالات عيد المولد النبوي الشريف، أعترض علي عبد اللطيف علي ذلك، قائلا بدلا من ذلك، إنها يجب أن تكون “ألشعب السوداني الكريم” [2]. كان ذلك الفرق هي البداية للأزمة ألكبري داخل المجتمع السوداني، مشكلا خطين من متوازيين، إحداهما يهدف إلي خلق المجتمع ألإنساني، بينما الاخري تهدف إلي المحافظة علي الثوابت (أو الثوابت العربية السائدة)، أنها أيضا توضح كيف بدأ الاختلاف الحالي بين الخطيين الرئيستين في السياسة السودانية، الخط الذي مثله دكتور جون قرنق دي مبيور في الحركة الشعبية لتحرير السودان وحلفائه من الأحزاب الاخري، والمؤتمر الوطني – الجبهة الإسلامية الوطنية وحلفائها من جهة ثانية.
بإدراك طبيعة ذلك النضال، قام المؤتمر الوطني بتحويل كل النقاش إلي القضية بين الشمال والجنوب، وللأسف منجرفا لذلك، فإن الحركة الشعبية وجدت نفسها قد دخلت في حلقة دائرية للصراع، حيث ينقص نصف قطرها باطراد. إن السؤال الدائم للحالة السودانية تقول، ما هي النهاية المنطقية لعملية الوحدة الإفريقية؟ في ذلك ألسياق، كيف كانت أوربا بعد الحرب العالمية؟ وهل فهمنا فكرة السودان الجديد؟
بعد يومين من وفاة دكتور جون قرنق، كنت جالسا في حجرة الاستقبال بمكاتب الحركة الشعبية بنيروبي، وكان في الغرفة دكتور سامسون كواجي (له الرحمة) وكوستي مانيبا، عندما دخل الغرفة أثنين من جنوب السودان وكانا قد رجعا من أمريكا، أحداهم والذي لم أكن أعرفه جيدا حينها لكنه ذو وزن حاليا في حكومة الجنوب، كان يبكي بطريقة غريبة، وقال “هم الذين قتلوه، ألم تشاهدوا إنهم كانوا يرفعون صورة ذلك الرجل الذي مات (علي عبد اللطيف)”، صعقنا لهذا، لم يقل أي منا شيء، ولكن هؤلاء هم ذوي الأصوات العالية الآن في المجتمع السوداني!
كان دكتور جون قرنق الذي نحتفل بالذكري الخامسة لرحيله هذه الأيام، عبقريا، لقد تفهم المأساة السودانية ورفع الدعوة للسودان الجديد، القائم علي القيم الإنسانية والحرية، والعدالة والمساواة، والتي أصبحت المعيار في المجتمع الإنساني ألحالي، ولكن بالنسبة لنا في السودان فما زلنا أسري في تلك السنة التاريخية لعام 1924، من خلال انتصار حققته بعض المجموعات الطائفية، من خلال التدخل البريطاني، وتم تطويره بذكاء من خلال الجيل الثاني مستغلا كل شيء للمحافظة علي الوضعية القانونية التي تم فرضها.
ولكن، هل كل ذلك يبرر تفكيك شعب طيب وبلد جميل كالسودان؟ وهل يمكننا تحميل الأبناء ما فعله الكبار؟ وأية نموذج نريده للدولة ألسودانية ، والسودانيين كشعب؟
سنري ذلك في المقالة التالية بعنوان ” الفكر الأفريقي بين الأهواء السياسية والضمير الإنساني – نموذج الوحدة السودانية”
محمود ألحاج يوسف
عضو سابق بالحركة الشعبية
yousif_474@yahoo.com/
المراجع
1- Dr. Ahmad Alawad Sikainga, Slaves Into Workers: Emancipation and Labor in Colonial Sudan, University of Texas Press, Austin, 1996.
2- د. يوشيكو كوريتا، علي عبد اللطيف وثورة 1924، بحث في مصادر الثورة السودانية، مركز الدراسات السودانية، القاهرة 1997.
3- Elena Vezzadini, The 1924 Revolution, Hegemony, Resistance, and Nationalism in the Colonial Sudan,
at: https://bora.uib.no/handle/1956/3065
4- التحقيق الإداري في حوادث الجنوب 1955، مركز الدراسات السودانية، الطبعة الثانية، الخرطوم،
5- مناقشة مع ألبان أفريكا الراحل، دينق أجاك دينق.
6- سلاطين باشا، السيف والنار في السودان، ترجمة محمد المصطفي حسن، دار عزة للنشر والتوزيع، الخرطوم، 2008.
7- د. محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث، مركز عبدالكريم ميرغني، الخرطوم، 2002.

مقالات ذات صلة